للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عند افتكاره بالطفل يسوع في مغارته.

أما الإمبراطور فلم يسمع نداء تلك الأجراس الطاهرة ولم يفتكر إلا بولي عهده وقد خامره وجد مبرح لمشاهدته فاستوى واقفاً وصفق بيديه فانفتح للحال باب منزوٍ وراء حاشية الستر وظهر رستم ذلك المملوك الأمين الذي استصحبه من أرض مصر فأشار إليه إشارة فطن لها رستم فحمل الشمعدان ومشى أمام سيده في دهاليز القصر المقفرة تواً إلى غرفة الملك الصغير حيث دخل الإمبراطور وصرف المرضع والنساء النائمات حول مخدع الطفل ووقف نابليون أمام سرير مولوده العظيم.

وكان ملك روما مستغرقاً في نومه الطاهر غارقاً في بياض فراشه الوثير مزنراً بزنار الليجيون دونور وقد أرخى يده الحريرية اللطيفة على حافة الفراش وأطبق جفنيه الناعسين

الغائرين في أم رأسه الصغير. فكان زنار الليجيون دونور الشديد الحمرة الذي يعترض وسط الفراش غامراً تلك الطهارة والرقة رقة وطهارة الطفل النائم كأنه رمز عن الدماء التي سيجريها أبوه أملاً بعقد تيجان الممالك كافة على هذا الرأس الضعيف ووضع صوالجة تلك الممالك في هذه اليد النحيفة اللطيفة.

فنظر نابليون إلى ابنه نظراً طويلاً وقد أفعم فؤاده كبرياء مما لم يحدث عن كبرياء عظيم قبله وهو يقول في نفسه إن كبار هذه المملكة وعظماءها وقواد جيوشها أولئك الأبطال الذين تفوق شجاعتهم شجاعة أبطال إلياذة هوميروس وكل الحكام والنظار المرصعة صدورهم بالأوسمة والنياشين الجوهرية. كلهم يطأطئون هاماتهم سرير هذا الطفل الصغير مرتجفين تهيباً وخشوعاً.

ثم استسلم لأفكاره فخيل إليه أنه يسمع في قرع أجراس العيد وقع سنابك خيله وأقدام رجله وقعقعة اللجم وصليل السيوف ودوي المدافع وإن هذه الضجة ضجة المعمعة تحت العجاج الثائر وشرار النار المتطاير. أو أنها جيوشه زاحفة على روسيا والهند. . . فثمل من خمرة افتكاره وعقد نيته عقداً باتاً على شن الغارة على روسيا والهند مقسماً انه سينصب لابنه عرشاً يشرف على أقاليم البسيطة من أقصاها إلى أدناها.

<<  <  ج: ص:  >  >>