للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اعتقد بي الناس بعد موتي. فمخاوفي وآمالي لم تكن لتمتد إلى ما وراء هذه الحياة التي يتنعم بها الناس على الأرض والتي افهمها الآن دون سواها، ولا أسمي حياة الطواف كشبح في غبار المكاتب، والظهور بشكلٍ مبهم للمسيو أرنست رينان أو للمسيو فيليب برجه فحالة الشبحية هذه تزيد كآبتي لأني قضيت في الدنيا حياة سداها النشاط ولحمتها تتميم الواجبات ولم أكن ألهو بغرس أسنان الأفاعي في الحقول البيوسيانية اللهم ما لم تكن تلك الأسنان عبارة عن البغض والحسد اللذين غرسهما غناي وقوتي في

نفس رعاة سيترون. وقد أنفقت أيامي في الأسفار ومخرت في جميع اللجج وانتجعت جميع الأمصار وأنا راكب متن سفينتي السوداء الموضوع على جؤجؤها مسخ أحمر هائل يحرس كنوزي ويرصد الكبيرات السبع المجولات في الفضاء بزورقهن اللامع ويهديني بتلك النجمة الثابتة التي كان الإغريقيون يسمونها الفينيقية إكراماً لي. وقد انطلقت للإتيان بالذهب من الكلشيد والفولاذ من الشاليب واللآلئ من أوفير والفضة من طارطس وأخذت من البيتيك الحديد والرصاص وسلفور الزئبق والعسل والشمع والزفت واجتزت حدود الدنيا وتوغلت في غمام المحيط حتى انتهيت إلى جزيرة البريطانيين القاتم وعدت منها شيخاً بيض الدهر لمته ومعي مقادير وفيرة من القصدير الذي ابتاعه مني المصريون واليونانيون والإيطاليون بمبالغ من النضار توازي زنته زنتها. وكان البحر المتوسط في ذلك الحين يعتبر بحيرة لي فشيدت على سواحله المهجورة مئات من المحلات التجارية. ولم تكن طيبة تلك المدينة المشهورة سوى

<<  <  ج: ص:  >  >>