إني أجهل أي عاطفة دفعته إلى كتابة هذه الخاطرة القاسية، ولست أدري كيف يفسرها لو كان حياً. ترى كيف يمكننا أن نقدر قدر المصريين لو لم تكن لدينا بقايا هياكلهم وتماثيلهم ونقوشهم، ونبوغ اليونان أن لم يكن بآدابهم وفنونهم، وعظمة الرومان إن لم يكن بفلسفتهم وشعرهم؟؟
وإذا قابلت الشعوب الآتية بين هذه البدائع الفنية القديمة وبين آثار أجيالنا الحاضرة، كبرج إيفل مثلاً. . . ألا تظن أنهم سيحكمون بأننا، نحن أبناء الحاضر، سليلة ابن نوح الملعون من أبيه خلقنا كي نكون عبيد أبناء عمينا المباركين، أبنار القرون المنصرمة؟
يقول بول بورجه أحد أعضاء الأكادميا الفرنساوية اثنان يفهمان الجمال الفني: العالم الراقي والفلاح الساذج. وبين هاتين الطبقتين، طبقة البشر العادية وهي كثيرة العدد، ضيقة الفكر، قاصرة المدارك، باردة الروح. ثم يأتي رسكن ذو اللحية المنتفة قائلاً: إن الفضيلتين اللازمتين لمحب الفن هما الحنان والصدق. وكلاهما محق، بل أن كلام الواحد منهما يفسر فكر الآخر.
يعني رسكن أن كل مصور، أو شاعر، أو موسيقي، أو نقاش يجب أن يكون سريع التأثر، رقيق العواطف، دقيق الملاحظة، صادق القلب أهلاً لأن يكون ترجمان الروح، وناقل بدائع الأحلام من عالم الأوهام إلى عالم الوجود والإفادة. وهو يشترط في الشاعر والمصور الحنان قبل الصدق لأن الحنان عاطفة طبيعية ثمينة، وأما الصدق فهو