للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هي لا تفسد جمالها ولا تبلي ثوب صحتها بالنوم الكثير. لأنها تلقنت عن أمها الطبيعة أن عدم الاعتدال في النوم هو صدأ النفس، والنفس إذا علق بها الصدأ أفناها كما يفني الحديد. فلذا هي تبكر في الصباح بكور الطائر ولا تأوي إلى سريرها إلا إذا حان وقت النوم.

اللبن الذي تحلبه بخفة ورشاقة يزداد بياضاً ليضاهي ثوب عفافها، ويزداد نقاوة ليضارع نقاوة قلبها مقر الإخلاص ومسكن الحب وقدس أقداس الجمال.

سنابل الحنطة الذهبية تخر ساجدة وتقبل قدميها عندما تقطفها كأنها تسلم نفسها طوعاً واختياراً لليد التي قلعتها من تربة الأرض التي كانت تغذيها. أنفاسها مسك وما أدراك ما المسك.

نضبت يداها من ماء الشباب لكثرة العمل المطلوب منها ولكن قلبها قد أذابته نيران الشفقة على الإنسانية المتخبطة في حمأة البؤس، وتقرحت أجفانها من كثرة بكائها على الموت الأدبي المتسلط على بني الإنسان الذين أفسدت عواطفهم المطامع الكاذبة والشهوات الشريرة.

قلب فتاة الريف كالزهرة النقية التي فتحت أكمامها وسقط ندى الربيع على أوراقها، فراحت تميل مع النسيم. تزاول أعمالها بهمة دونها الهمم، ومع ذلك تراها آمنة مطمئنة، كأن الطهارة والإخلاص والحب ثلاثة أقاليم جمعت في واحد. قلبها أنقى من الثلج في بياضه ويسمو إلى المجد عن السفاسف. وهنا مصدر تأثيرها. . . نظرة منها كافية لتذيب أفئدة

الأسود الضارية وتسكن الوحوش الكاسرة حين غضبها وتوقف

<<  <  ج: ص:  >  >>