ومتى أقدم الشتاء بلياليه الطويلة وبرده القارص جلست تدير دولاب غزلها ونطق لسانها بكل لحن شجي يزيل عن النفس الحزينة ما ترزح تحته من شقاء وبؤس.
كل ما تمتد إليه يدها من العمل تعمله وهي قريرة العين، مسرورة الخاطر. هي لا تعمل لا خيراً لأنها جبلت على حب عمل الخير والمعروف. وهي تعرف أن العمل الشريف هو المهذب الحقيقي لبني الإنسان، وإن الكسل يتلف الإنسان نفساً وجسداً فتعلم يقيناً أن تسعة أعشار رذائل العالم ومصائبه ناجمة عن كل عمل يأتيه الإنسان ويتأفف منه الشرف.
في آخر السنة تفيض يداها بما ملكت من كدها واجتهادها على المحتاجين. وفي ملابسها لا تختار إلا ثياب الحشمة والأدب.
إذا اعتراها داء كان طبيبها هواء حديقتها البليل ودواءها من جني النحلة الحكيمة.
هي لا تخشى نازلة تداهمها إذا خرجت دون رفيق لأنها لا تقصد أذية أحد بل تريد أن ترد الشر خيراً الصاع صاعين. والحق هي ليس منفردة إنما تصحبها حاشية كبيرة من ترانيم مطربة وأناشيد منعشة.
هذه هي حياتها. ولا أمنية لها إلا أن تموت في زمن الربيع فتوضع الأزهار والرياحين فوق نعشها.