سماء تخيلاتها الذهبية إلى عالم الاختراعات العصرية والاكتشافات العلمية نظرة ازدراء واحتقار لأنها لا تجد فيها ما يؤثر في روحها الشريفة ولا ترى في نتائجها المادية ما ينطبق على تصوراتها الشعرية البديعة. ولاغرو فالآنسة مي من الفتيات اللواتي قلما يسمح الدهر بأمثالهنَّ أدباً وذكاء مع سعة اطلاع وحرية فكر. ولما كانت هذه منزلة صفاتها من الاحترام وكان أمر البحث في الفنون من المواضيع الجديرة بالاهتمام رأيت أن أعلق عليهِ كلمة أستأذن حضرتها بإيرادها تمحيصاً للحقيقة التي هي غرض كل عاقل أديب
ذكرت الكاتبة مالا جدل فيهِ من امتياز أهل العصور القديمة بالفنون الجميلة والآثار البديعة التي لا يرجى وجود نظير لها في العصر الحاضر ولا المستقبل. على أن ذلك لا يؤخذ حجة على دناءة الفكر العصري وتقصيره عن سلفه وإنما هو دليل على أن ارتقاء الأقدمين كان محصوراً في بعض نوابغ انصرفت قرائحهم إلى بعض الصنائع كالرسم والنقش والنظم وما شاكل ذلك من الفنون الجميلة. وهذا بالحقيقة لا يعد ارتقاءً لبعده عن الفوائد العمومية المطلوبة في ترقية الاجتماع. وما دام الإنسان منصرفاً إلى هذه الوجهة الفنية مكتفياً بها عن سائر العلوم فمن المقرر أنهُ يظل مقصراً في معارفهِ وشرائعهِ وآدابهِ وسائر نظاماتهِ. وعلى ذلك بني رُسكن فلسفته ورأى المتأخرون رأيهُ فشرعوا بتعرف أسرار الطبيعة وروابطها وأحكامه واستخدموا ما فيها من القوى الكامنة لفائدتهم فقاموا البحار بقوة البخار واستخدموا الكهرباء في دفع الأمراض وتقصير