خصت مصر مويار دون سواه من أبطال الطيران لترفع له تمثالاً تحت سمائها , لأن مويّار الأفرنسي المولد , عاش ومات في مصر. وفي مصر كان يشتغل لتحقيق مسألة الطيران , فوضع قواعد هذا الفن كما هي معروفة اليوم؛ ولكنّ ضيق ذات يده حال دون إبراز فكرته إلى حيز العمل , فعاش فقيراً ومات فقيراً. وقام علماء آخرون فعملوا بالمبادئ الميكانيكية التي وضعها , فتمكنوا من امتلاك ناصية الهواء ومجاراة الطير في مضمار السماء. مات مويار فقيراً كما عاش ولكنه أغنى أبناء جنسه باختراعه العجيب؛ فكان شأنه شأن معظم كبار المخترعين والمكتشفين كغاليله وكولمبس , فهم لا يحيون ولا يمجَّدون إلاَّ بعد موتهم. . . خمسة عشر عاماً مرّت على وفاة هذا المخترع. فأدرك العالم سموَّ مداركه؛ وقام اليوم يجود بتماثيل البرونز والرخام , على من حُرم في حياته ما يسدُّ به الرمق. فما
أعجب مغالطات بني البشر. ويا ما أحدّ سهام اللوم التي صوّبها إليهم حكيمنا شبلي شميل إذ قال:
مُيّار أنك قد قضيت ككل منٍ ... نفع البرية وهو قد نال الضررْ
قد عشتَ بين الناس أوحد بائساً ... والعقل مقتدر وفي الأيدي قِصرْ
هم ضيَّقوا الدنيا عليكِ وأنت في ... فتح السماء لهم تحلّق في الفكرْ
ضنّوا عليك وأنت حيٌّ بينهم ... وتسابقوا للميت في نثر الدررْ
جهلوك حتى أوقعوا بك ريبةً ... وتفاخروا بك بعد موتك عن أشرْ
لو أنهم نفعوك يوم خدمتهم ... لوفوك حقاً غير حق منتظرْ
أو أنهم فهموك يوم هديتهم ... عزَّاك علمك أنهم حقاً بشرْ
يستمسك الإنسان بالبالي فإن ... عنه تزحزحه تجده قد نفرْ