أنت المتفاني في خدمة العرب بما يفيض من قلبك على قلمك! نراك تتطوّف الشرق في أقصاه , وتزور الغرب حتى منتهاه , ووطنك لا يزال نُصب عينيك لا تنساه. تجوب الآفاق كما تتنقَّل الشمس في البروج , وشعاعك الروحاني متصل على الدوام بهذه الربوع , بل بما بين الجنوب من القلوب. تلك آثار يراعك ونفثات صدرك , نراها متمثلة في مثاني السطور , وفي تضاعيف الطروس التي أملاها وجدانك على بنانك. فجاءت أسفار أسفارك خير آية شاهدة بأنك إذا ابتعدتَ عن مصر , فلا تزال نفسك تناجيك بمصر , ولا تزال روحك تحنّ إلى ساكني مصر. تلك عواطف سامية يمنحها الله من يشاء! ويمنعها عمن يشاء. عواطف شريفة تتجّلى بأظهر معانيها حين حلولك في روضة المقياس , بعاصمة أخيك العباس , وهل يخفي القمر عن أبصار الناس؟ فلا غرو يا مولاي أن جاءَت هذه الغرّاء غُرَّةً في جبين الليالي , فأنت بدرها الذي تسجد له الأهرام والبرابي. لأنك أحييتَ فيها آية من آي الفرقان , آية عائدة بالخير الحقيقي على المستحقين من بني الإنسان:{إن الله يأمر بالعدل والإحسان}
أيها السادة الكرام!
شكر الله صنيعكم , ووفّقكم لخير أمنكم! فبمثلكم ترفع مصر رأسها بين الأمم , وفي اجتماعكم هذا معنى شريفٌ لمن ينشدُ الوطنية الصادقة , ولمن يريد أن يتعرّف ما هو التضامن الإنساني على وجهه الصحيح. هذه مصر , وهذه الشام! صنوان , بل توأمان متلازمان , جمعتهما أواصر السُّلالة والقرابة والجِوار , ومزجت بينهما لُحمة اللغة والأدب , وربطتها ببعضهما الآمال والآلام. ارجعوا إلى التاريخ , في القديم وفي الحديث , ولا يُنبّئكم مثل خبير. فطالما