للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان القطران تحت صولجان واحد , وطالما كانت الأمتان كجسم علا رأسه في العلا إلى السماء , ووضع إحدى قدميه على قارَّة أفريقية , وأقرّ الأخرى على قارة آسية! تعاونت الشقيقتان , في الشدة والرخاء , ورفعتا معاً منار العرفان ,

فاستضاءت بهِ جميع الأرجاء. نعم إن كرسيّ الملك كان في أغلب الأحيان في طيبة ومنف على عهد الفراعنة في الجاهلية الأولى , ولكنهُ كان أيضاً في دمشق الفيحاء حينما بدا فجر الإسلام , ثم انتقل إلى فسطاط ابن العاص فقطائع ابن طولون فقاهرة المعز لدين الله فهل من عجيب أن يلتحم القطران ببعضهما التحاماً تاماً في الحسّ والمعنى؟ هكذا بقيت الحال في أيام الفتح العثماني الذي شمل الأختين معاً إلى اليوم وإلى الأبد الآباد , حتى ظهر أبو الرجال , وسيد الأقيال , وأمير الأبطال , أعني بهِ محمد علي الكبير والجد الأعلى لمولانا العباس وهنا أقف موقف الإجلال والإكرام , وأنحني باحترام أمام ذكرى ذلك الهمام المقدام , وأستمطر شآبيب الرحمة والرضوان , على ضريح ذلك الذي استنقذ مصر من مخالب الفوضى وعوامل الخراب , ثم أحياها ووضع لها قواعد العمران. وسعى حتى جمع بين الشقيقتين تحت الراية العثمانية مستعيناً بإبراهيم نجله الكبير , ذلك البطل المغوار , المستوي فوق صهوة الجواد , أمام رّدّهة هذه الدار. وهاهو لا يزال بإصبعه على الدوام. . . . إلى نحو الشام! دلالةَ على تمام الارتباط والاتحاد في ظلال الهلال. جاءت قناة السويس على عهد سعيد وتلاقى فيها البحران , في يوم ولا كمثله يومٌ من أيام إسماعيل. فكان اتصال الأحمر بالأبيض انفصالاً بين بَرَدَى وبين النيل , وانفصمت تلك العروة الصغرى , فيما بين الغوطة والدلتا. غير أن ذلك التفريق كان التحقيق أكبر عامل في جمع القلوب وفي ازدياد الحنين. فمصر لا تزال ترمق الشام بعيون وامقة , وقلوب خافقة؛ وأبناءُ الشام ينظرون

<<  <  ج: ص:  >  >>