للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك هم أعرف الناس بغوائل النارِ. ولذا تنافسوا في تلبية الداعي الذي دعاهم لنجدة المنكوبين من أهل صقلية وقَلَوْرِية (كلابريا) من أعمال إيطاليا , وذلك على إثر ما دهاهم من نوازل وثوران البركان , منذ ثلاثة أعوام من الزمان. وقد بلغت قيمة ما جاد بهِ الخيّرون من أهل مصر عشراتٍ من ألوف الجنيهات , كان لها الأثر الطيّب في تخفيف المصائب عن بني الإنسان في تلكم الديار. ولقد اعترفت حكومة إيطاليا بهذه الأريحية , فشكرت مصر وأهدتها نَوْطاً من الذهب , هو الآن محفوظ بدار الكتب الخديوية. هذان مثالان بأن أهل مصر هم ممن يُدرك معنى التضامن الإنساني , وإن كان بعض الذين لا خَلاق لهم يُنكرون عليهم هذه الخليقة الكريمة. لا يفقَهُ المصريون معنى التضامن الإنساني , وهو متأصل في أخلاقهم منذ ثلاثة عشر قرناً؟ نعم , فهذه النظرية الجليلة يظنها قصار النظر من آيات العصر الحاضر , ومن بدائع الحضارة الغربية. وليت شعري! ماذا يقول المفتون بأوْرُوبَّة وتعاليمها إذا ما هداه الله إلى ما بين وتحت عينيهِ من آداب الإسلام ومبادئه في العمران؟ لا جَرَمَ أنهُ يرى في نظامهِ الاجتماعيّ البديع كثيراً من الحكم الباهرة ومن قواعد الأخلاق الجميلة. ولكنهُ قد حيل بينهُ وبين مآثر الأسلاف بحجابٍ , يا له من حجاب! ففي هذه الليلة الباهية , يجدر بأبناء العرب الكرام , أنْ يتدبّروا قول النبي عليه الصلاة والسلام , في الحثّ على بثّ التضامن بين المؤمنين بوجه عام. ودونكم أيها السادة نصّ حديثه المشهور: (مَثَلُ المؤمنين في توّادهم وتراحُمهم كمثَلِ الجسد , إذ اشتكى عُضو منهُ تداعى له سائره بالحمى والسهر)

أو كما قال: (هذا هو التضامن!) وقد عرفه الشرقيون منذ أجيال طوال.

<<  <  ج: ص:  >  >>