كان في غاية التقدم فيها , وكذلك الأجلح الزهَري وعروة بن زيد الأسدي وأما العائف فهو الذي يتكهن بواسطة العيافة , وهي زجرُ الطير أو الوحش , والتفاؤل بأسمائهم وأصواتها وممرّها. قال الأعشى:
ما تعفيفُ اليوم في الطير الرَّوَح ... من غراب البين أو تيسٍ بَرح
وقال الفرزدق:
وليس ابنُ حمراءِ العجان بمفلتي ... ولم يزدجر طير النحوس الأشائمِ
وقال الأخطل يخاطب امرأة وسيمة تزوَّجها رجل دميم:
فهلا زجرت الطير ليلة جئته ... بضيقةَ بين النجم والدَّبرانِ
وهو كثير في شعرهم. وهذا النوع من الكهانة أشهر أنواعها عندهم: ومنشأوه اعتقادهم باليمن والشؤم. فاليمن عندهم خير , والشمال شرّ. ولذلك اشتقت لفظة التيامن واليمن والتيمن من اليمين , كما اشتقت لفظة التشاؤم والشؤم من معنى كلمة الشمال , لأن المشأمة في اللغة بمعنى الميسرة , واليد الشؤمي والجانب الأشأم , بمعنى اليد اليسرى والجانب الأيسر. فلذلك الاعتقاد كان الرجل منهم إذا أراد حاجة أتى الطير في وكره فنفّره , فإن أخذ يميناً مضى لحاجته , وإن أخذ شمالاً , رجع. وهذا هو الأصل في زجر الطير. ومن ثم استعملوا كلمة الطيَرة بمعنى التشاؤم , ثم أطلقوا الزجر على الوحش أيضاً , وتوسعوا في كيفية الزجر وأحواله , فقالوا: الزجرُ للطير وغيرها , التيمنُ بسنوحها , والتشاؤم ببروحها , والاعتبار بأسمائهم وأصواتها وممرّها. فلما صار كذلك اختلط أمره على العامة فأصبح ضرباً من الكهانة بعد أن كان اعتقاداً بسيطاً باليمن والشوم , فصار العائف , إذا عاف طيراً أو وحشاً , يتكهن فيخبر بأمور من الغيب , كما يفعل العرّاف. وربما عاف بالحدْس , وهو لم يرَ شيئاً , لاطيراً ولا وحشاً. وبقي التفاؤل والتشاؤم على بساطته الأصلية للعامة فقط ومن القبائل التي اشتهرت بالعيافة في الجاهلية بنو أسد. قيل أن قوماً من الجن تذكروا عيافتهم , فأتوهم , فقالوا. ضلَّت لنا ناقة فلو أرسلتم معنا من يعيف , فقالوا