منهم الغيب. وكان معاشهم من الهدايا التي يقدمها لهم أولو الحاجات. وكان العرب يحترمونهم لعلهم وسعة اطلاعهم , وربما احترموهم بسبب علاقتهم ذاتها بالجنّ والشياطين. وبناء على ذلك الاحترام كانوا يسمون كل صاحب علم دقيق كاهناً كالطبيب والقُناقِن وهو البصير بالماء تحت الأرض وكذلك كل حكيم بصير بالأمور. وقد جاء في الحديث أن شريحاً كان زاجراً شاعراً. وفي حديث ابن سيرين: أن شريحاً كان عائفاً. أراد أنه كان صادق الحَدْس والظن , لا أنه كان يفعل فعل الجاهلية في العيافة. ومن المحتمل أيضاً أن تكون تسميتهم للطبيب والقناقن كاهناً من قبيل الحقيقة في لغتهم لا المجاز , لأن الجهل كان مخيماً على عقول عامتهم ولا فرق عند الجاهل بين ينذر بموت رجل , حيث لا ترى العامة شيئاً من الخطر , أو ينذر بخوف قبل حصوله , وبين من يخبر بمكان الضالة , أو تفسير الأحلام , فكلا الأمرين عند الجاهل من قبيل الغيب. وبناء على ذلك لا يبعد أن يكون قد دخل عندهم في عداد الكهان كثيرون من الأشخاص الذين كان لهم إلمام حقيقي بالطب والفلك أو غير ذلك من العلوم ولم تزل الكهانة في الجاهلية إلى أن جاء الإسلام فأبطلها. وقد أوردنا كلام الأزهري في هذا الخصوص. وجاء في الحديث أنهُ نهى عن حلوان الكاهن , وعن الطيرة. وفي الحديث أيضاً من أتى كاهناً أو عرافاً فقد كفر بما أنزل على محمد. قالوا أي
من صدَّقهم وجاء في صحيح البخاري أنهُ كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من خراجه. فجاء يوماًَ بشيء فأكل منهُ أبو بكر فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر وما هو؟ قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة , إلاَّ أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده فقاء كلَّ شيء في بطنه على إننا بالرغم عما جاء به الدين , لا نزال نرى حتى الآن سوق الكهانة رائجة في كل بلاد نطق أهلها بالضاد , كأنَّ الجهل يأبى إلاّ أن يكون محفوفاً أبداً بأنواع