للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويراقبونها ويلاحظون سيرها ومواقيتها حتى إذا حدث في الأرض حادث ما في زمن ما , ثم عاد الفلك إلى هيأتهِ التي كان عليها حين وقع ذلك الحادث , أنبأوا بعوده أيضاً بناءَ على أن الأسباب الواحدة , في حالة واحدة , تُنتج دائماً نتائج واحدة. فهذا هو الأصل في علم النجوم. ثم اتخذه بعضهم طريقةً لكسب المال فجعلوه ضرباً من ضروب الكهانة , وصاروا يخبرون بما يخبر بهِ الكَّهان من أحوال الغيب المختصة بإفراد الناس , كتفسير الأحلام , وأدواء الأمراض , ونجاح المسعى , وما أشبه ذلك. واعتقدت عامة

الشعب إن كل شيء سرُّه في النجوم , وأن الإنسان قد يعلم الغيب بالوحي الفلكي. فمن ثم قالوا في كلامهم: نظر فلان في النجوم , بمعنى أنه فكَّر في أمر ينظر كيف يدبّره. فصار ذلك في اللغة كما تقول: بفلان جُنَّة , بمعنى أنه مختلّ العقل. وهذا من شواهد تأثير اعتقاد الشعوب في لغاتهم وهو كثير في اللغة العربية تلك هي أشهر ضروب الكهانة في الجاهلية. فإذا كان عندهم ضروب أخرى فلا عبرة بها لعدم شهرتها بينهم , فضلاً عن أنها لابد أن تكون مأخوذة من الضروب الأصلية التي أتينا على ذكرها كما أُخذ الطرقُ بالقطن والصوف من الطرق بالحصى ولم يكن للكّهان صفة دينية أصلاً , بخلاف الكهنة عند اليهود. ولعل السبب في ذلك كون وحيهم من الشيطان , ووحي كهنة اليهود من الله. وكان أهل الرتبة العليا منهم ينقطعون إلى الكهانة فا يشتغلون بعمل آخر , ولا يشتركون مع القبيلة اشتراكاً مادياً في شؤونها العمومية بل كانوا يعيشون عادة محتجبين عن إبصار العامة , إلا يخالطهم أهلهم وذووهم , ولا يقابلهم من الناس إلا مَن قصدهم ليستطلع

<<  <  ج: ص:  >  >>