للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أرقُّ ما تكون , في صدورٍ لم تنفتح للحب , ولم تدر معنى الغرام. فهي حينئذ كذلك الغشاء الرقيق من الجلاتين تُلصق على الزجاج في الآلة المُصوّرة؛ فإذا تناوله النور لمحةً أثر فيهِ , فانطبعت عليهِ صُوَر ما يمرُّ حياله في خلال تلك اللمحة وعفَّت فتأدب. ووقف لهما غرورُ الشباب وقفةَ العدوّ الغادر. يهزُّ الفتاة ويدفعها فتردّهُ بعفَّة البكر , ويهيجُ الفتى ويغالبهُ فيتّقيهِ بأدب الحبّ وأعانت الأيام على الجوى والهيام. فتلاقيا على ضفاف النيل , وتفيئاً ظلال الأهرام , وتسامرا من نافذَتي بيتيهما تحت بريق النجوم في سكون الظلام , فما زادتها الليالي إلاَّ جوًى ووجداً , وما زادته إلاَّ صبابة وهياماً ولما فاض القلبان بالحبّ , ولم يبق في قوس الصبر منزع , حدَّث الفتى أهلهُ بأمره , وقصَّت الفتاة حكايتها على ذويها. قال بأبي هذه التي أحبُّ , وقالت يا أمِّ هذا الذي أريد. أنا الأمُّ فرضيت , وأما الأب فأبى. ولكنَّ الإِباء أجَّج نار الغضا بين ضلوع الفتى , فالتظى قلبهُ بالشوق والتهب لوعةً وجوى؛ وشجَّع الفتاة من أُمها الرضي , فتمادت في الوجد وتطوَّحت في الهوى. ولم يكن للعاشقين سبيل إلى السلوى , فانقطع هو إلى القنوط , وتعلَّلت هي بالمنى. حتى إذا غلب اليأس على الرجا , وفتَّ في ساعد الفتى وقد سامهُ الشوق صبراً , اندفع مع غرور الصبي , وحببَّ اليأس إلى نفسه الردى , فهوى بهِ الغرور إلى ذلة الانتحار فهوى وما ارعوى

<<  <  ج: ص:  >  >>