مرَّرها أبي ونغَّصها عليَّ فلأجعلنَّ حياته مرَّةً منغَّصة , ولأنتقمنَّ لنفسي منهُ شرَّ انتقام. إني أموت فأشقُّ قلبه حزناً عليَّ , وأفتّت كبده تفجعاً وغماًّ , فلا يعيش بعدي , ولئن عاش فلِيستنفدَ دموع عينيهِ , ولتعذّبهُ الشيخوخة حتى يجرَّه العذاب إلى القبر. . . ولكن هبني قدمتُّ , وانتقمت بموتي من أبي , فكيف أطيق أن تحيا الحبيبة بعدي؟ أأرضي لها الحياة لكي يتلاشي الحبّ في نفسها فتنساني وقد لا تلبث أن تعلق بغيري فتلقم قبري حجراً؟ إنما قلوب النساء كالعصافير تتنقَّل من غصنٍ إلى غصن , فإذا استقرَّت فريثما يقف اهتزاز الفنن الذي استقرَّت عليهِ!. . وإذا لم يكن من الموت بدٌّ , فمن الظلمِ أن يموتَ الحبيب وحده , وتعيش الحبيبة بعده!!. . ثم كاشف فاتنتهُ بهذا الرأي , وبسط أمامها أفكاره وأمانيّه , فزجرتهُ فما ارعوى وإنما أثار تأنيبها في نفسهِ نزقَ الشباب فتصلَّب وأبى إلاَّ أن يموتا معاً. وخافت الفتاة أن تتَّهم في حبّها ووفائها فقالت له: أنت لست بأشدَّ حباًّ لك , ولست بأشجع قلباً , وأشدّ بأساً. الحبُّ ساواني بك وما آثرك عليَّ في شيء. إن كنت رجلاً فأنا امرأة. إنما المرأة أرقّ شعوراً من الرجل , وأكثر تمادياً في الحبّ , واندفاعاً مع الشهوات. ولقد شئتَ لي أن أموت معك فلتكن مشيئتك فيَّ يا ربّ فمدَّ الفتى يده وشدَّ على يد الفتاة فتعاهدا على الردى. ثم افترقا على هذا العزم بغيةَ أن يضمّهما القبر , ولم يضمّهما القصر , وإرادةَ أن يجمعهما الموت ولم تجمعهما الحياة