للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في حياتي هذه الطويلة , تتحققون أن الزمان علمني هذه الحقيقة الثابتة الأركان وهي: ليس قارَّة دائمة على هذه الأرض ولا بإرادتنا , ولاسيما إذا كانت تلك السعادة منوطة بأمور ليست بأيدينا ولا بإرادتنا , بل بمشيئة عنايةٍ غامضة. فلقد رأيتُ طائفة من أقوامنا ماتوا عند هبوب ريح صرصر؛ وشاهدت جماعةً من شبيبتنا المتهوّرة قد غرقت في طحمة سيل جارف؛ وكنت يوماً ممن حضر فرأى مطراً مدراراً أحث طوفاناً عرمرماً اكتسح زرافات زرافت من أبناء وطننا العزيز؛ ولقد تحطمت ديارنا ذات يومٍ كل محطَّم بعد أن سقط بَرَد هائل القدر أمات ربواتٍ وربواتٍ من أخوتنا المظلومين. وزيدوا على ذلك أن قوماً منَّا إذا رأوا سحابةً سوداء قالوا في أنفسهم: إن هذه إلاَّ سحابة قوم عاد إني لقد عشَت في عصور الخلق الأولى , في زمان الفطحل؛ وحادثتُ جماعةً عظيمة من الدويبات كنَّ أطول مني قامة؛ بل كنتُ بجانبهنَّ كأحد بني ياجوج وماجوج , بجنب واحدٍ من بني عُوْج كنَّ ذوات بنيةٍ أقوى من بنيتي , وذوات حكمةٍ تزري بحكمة سليمان. ولهذا اعلموا , يا سادتي , إن كل ما أنطق وأتفوَّه بهِ , لا يشوبهُ ريب , ولا يخامره شك. وليس

في نيتي أن أخدع واحداً منكم يا قومي , صدّقوا كل ما أقوله لكم , وتأكَّدوا أن الشمس التي ترونها الآن متسترة وراء المياه , ويخيَّل إلينا أنها غير بعيدة عن الأرض , رأيتها سابقاً قد تكبّدت السماء , قاذفةً سهام أشعتها مصوّبةً إياها علينا؛ وكانت الأرض في ذلك العهد العهيد سابحةً في سبحات وجه الله , أكثر

<<  <  ج: ص:  >  >>