يعلم الله أني لا أحب السياسة ولا أنا منها , وقرّائي أيضاً يعرفون ذلك. وإذا كان قلمي يخط عنها اليوم كلمةً فلعلاقة بينها وبين مشتركي الزهور: في بلاد السلطنة العثمانية حزبان سياسيان - الاتحاديون والائتلافيون - ولكليهما خطةٌ ورجال. وإذا كنتُ أنا - لجهلي بالسياسة - لا أرى بينهما إلاّ الفرق الذي يراه اللغويون بين اتّحد وائتلف فالظاهر أنه يوجد هناك في الواقع فرقٌ عظيم جداً , بدليل تلك الحرب الطاحنة التي شبت نيرانها إبّان الانتخابات , فدارت فيها الدائرة على حزب الائتلاف , وكانت النتيجة إقفال صحفٍ كثيرة ومحاكمة أو نفي صحافيين عديدين. أما علاقة هذه الحوادث بهذه المجلة , فهي أن للزهور في بلاد السلطنة مشتركين , وهم لا يخرجون عن أن يكونوا من رجال أحد الحزبين , لأنهم والحمد لله من قادة الأفكار وزعماء القوم. فرأيناهم , بعد انجلاء المعمعة , فريقاً منهم في مجلس النواب متربعين , وفريقاً آخر في طي السجون معتقلين.
قضية قديمة
بين الإله الخلاَّق , وجماعة العشاق , قضية قديمة: خلق الله لهم من جهة كل حسن مليح , وخلق لهم من جهة ثانية أعيناً تنظر وقلوباً تخفق. فحدث بين الفريقين نزاع - ويا له من نزاع , على ما يقول فرسان هذا الميدان - كانت نتيجته دائماً أبداً شؤماً ووبالاً على الفريق الثاني غالباً كان أو مغلوباً. فأصبح لسان حاله ينشد:
ما بين معترك الأحداق والمهجِ ... أنا القتيل بلا إثم ولا حرجِ
وقد تطوَّع الشعراء منذ القديم للدفاع في هذه القضية؛ كيف لا وهم من عبَّاد الجمال , وحارقي البخور على مذابح الحُسْن. أنا لا أحاول التحيّز إلى أحد الخصمين. بل أحافظ على موقف الحياد. فقد عرفتهُ أربح لي وأنفع. ولكني سمعتُ في هذه القضية مرافعات لطيفة دونتها لقرَّائي لأنهم يحبون الشعر الجميل , وناقِلُ الكفرِ ليس بكافر. . . من جبل لبنان جاءَنا هذان البيتان لأمين ناصر الدين: