حياة الصبي الأولى إلى ما يكون من الجنة أو النار في أُخراها , إن هذا لهو القلب الذي ترى فيه الطبيعة كتاب دينها المقدس فإذا لحق العاشق الذي يحمله بربهِ تناولنهُ وهي جاثية كأنها في صلاة الحزن ثم قبلته ثم أودعته في مكتبة الأبد لأنهُ تاريخ قلب آخر بل هو جزء من الموسوعات الكبرى التي يدوّن فيها الدهر تاريخ النفس الإنسانية على ترتيب بعينه تعلّم الناس منهُ أن يبدؤا لغاتهم جميعاً بحرف (الألف) لا لأنهُ من أقصى الحلق. . بل لأنهُ من أقصى القلب , بل لأنهُ من أقصى التاريخ , بل لأنهُ أول اسم (آدم) ذلك العلم الأول في تاريخ الحب. والآن وقد رقَّت صفحة السماء رقة المنديل , أبلَتهُ قُبَل العاشق في بعاد طويل , أو هجر غير جميل , وتلألأت النجوم كالابتسام الحائر على شفتي الحسناء الخيلة كأنهُ قطرة من الندى تلمع بين ورقتين من الورد. وأقبل الفضاء يُشرق من أحد جوانبهِ كالقلب الحزين حين ينبع فيهِ الأمل ومرَّت النسمات بَليلة كأنها قِطع رقيقة تناثرت في الهواء من غمامة ممزقة. وأقبلت كل نفس شجية ترسل آمالها إلى نفس أخرى كأنها أحلام اليقظة. ونظر الحزين في نفسهِ والعاشق في قلبهِ ونام قومٌ قد خلت جنوبهم فليس لهم نفوس ولا قلوب. وليس الكون تاجه العظيم فأشرق عليهِ القمر. والآن وقد طلعتَ أيها القمر لتملأ الدنيا أحلاماً وتشرف على الأرض كأنك روح النهار الميت ما ينفكُّ يتلمَّس جوانب السماء حتى يجد منها منفذاً فيغيب. فهلمَّ أبثك نجواي أيها الروح المعذب واطرح من أشعتك على قلبي لعلي أتبيَّن منبع الدمعة التي
فيهِ فأنزفها , إن روحي لا تزال في مذهب الحس كأنها تجمُش للبكاء ما دامت هذه الدمعة فيهِ تجيش وتبتدر. ولكن إذا أنا سفحتها وتعلقت بأشعتك الطويلة كأنها معنى غزلي يحمله النظر الفاتر فلا تلقها على الأرض أيها القمر فإن الأرض لا تقدّس البكاء وكل دموع الناس لا تبل ظمأ النسيان ولو انحدرت كالسيل يدفع بعضها بعضاً. أرأيت أيها القمر هذا النهر الصافي الذي يجزي كأنهُ دموع السحر من أجفان