ولقد يندر أن ترى رجلاً ذا جمال فائق قد نال المكرمات وحاز الفضائل. وكأن الطبيعة شاءَت أن يكون ذو الجمال خلواً من العيوب الظاهرة , ولكنها لم تشأ أن يكون جميلاً كاملاً. ولذا أنتَ لا ترى بين أهل الجمال رجلاً ذا نفس كبيرة أو عقل عظيم. وأنهم يفضلون التأدّب والاحتشام على السموّ والعظمة. ويتمنى أحدهم أن يكون مكان الإجلال والإكرام. ولا يرجو أن يكون قابضاً على صولجان دولة الأقلام. ولقد حفظ لنا التاريخ ذكر
كثيرين ممن جمعوا بين جمال الوجوه وكرم النفوس. فقد كان القيصر أوغسطس قيصر الرومان أجمل أهل زمانه. وكان اليونان يفاخرون الأمم بجمال السيباديس. وكانت أمة الفرس تضرب بجمال سلطانها إسماعيل الأمثال. وليس لون الوجه وحسن تقاطيعه ورقة الإنسان ورشاقته تكفي لأن يكون جميلا؛ لأن الجمال معنى لا يستطاع التعبير عنهُ , وليس في قدرة المصوّر البارع أن يظهره في صورته. وقد لا يبدو ذلك المعنى إلاَّ بطول المشاهدة. وليس الأحكام في الخلق جمالا. وإنك لا نجد الجمال النادر المثال إلاَّ في شيء لم يبلغ فيهِ الإتقان حدَّه. ولقد زعم أبُلس المصوّر أنهُ يصوّر أبدعَ الوجوه إذا ما أضاف إلى عيون المهى أنفاً كالسيف أو أدقّ وثغراً كادرّ والمرجان. وخطر ببال ألبرت دورو أن يخلق إنساناً كامل الجمال إذا اعتمد في خلقهِ على التناسب في قياس الأعضاء.