هنا ارتعاش الأوراق على الغصون تحية همت من مُقل الكواكب وسلام؛
وتمايل الأفنان ودلالها نجوى ملك الوحي والإِلهام؛
هنا ليلةُ أنوارٍ وفجرُ ظلام. وألغاز ملامسٍ وألوان وأنغام؛
حينما يمرُّ الفجر على قمم الجبال يرى صورته في هذه المرآة البلورية , يرى رمز الشبيبة مع ما يتبعها من جماهير الآمال النضرة كالأزهار , والأميال المتنقلة كالأطيار. ثم يأتي الغروب ساكباً في أعماقها كلَّ ما في أحزانه من المرارة مع ما يرافقها من النظرات المتحوّلة والابتسامات المتغيبة والجباه الكئيبة والشفاه المتحركة بالصلوات , الساكنة بالتأملات.
هنا عيدان الأشجان تبكي - تبكي بقلبٍ جريح. وفي كلّ لحظةٍ يخيل أنها تُسَلِّم نَفَسَها الأخير بشهيقٍ فيهِ من اللوعة والكتمان والتجلد بقدر ما فيهِ من المجد والعظمة , من البسالة وعزة النفس الأبية. لكنّ المياه لا تموت ولا تحيا , بل تردد ذكرى الماضي , وتهمس خفية نبؤتها في المستقبل , وتُرادف أصوات الأفراح وتُعدد آهات الانراح.
هنا لغزٌ من ألغاز الحياة وليلة من ليالي الزمان. وأنا لغز أمام هذا اللغز , وليلة إزاء هذه الليلة. أهيم وحيدةً على الشاطئ الحزين , أنظر ولا أرى , أسمعُ ولا أفهم , أفكّر ولا أجد , أستعلم ولا أعلم. . .