فؤادي يخفق مع فؤاد النهر الخفي , ونفسي قيثارة الأحلام والألحان. لكني لغزٌ حيٌّ تائه في ظلّ الغصون , ينظر مستفسراً إلى لغز آخر , فلا يجد فيهِ إلاَّ صورته , فيودّ تمزيقها وسحقها وإن أحبها!
عند احتضار النهار ذهبتُ إلى رأس النبع وجلست على صخرةٍ قائمة في وسط المياه المتسلسلة من صدر الصخرة الكبيرة. جلست وأرواح الخيال تستنشق الأريج العطري المعانق لشعور بنات المياه. وآلهة الأهوية الأربعة يتلاعبون بدقائق الشفق سابحين على أمواج الظلام , وحول أشباحهم تلتفّ أكاليل البنفسج وقلائد الياسمين , وفي ثغورهم يلمع فتيت النجوم , بينا أبكار الشعر تسرّ لأخواتها خفايا اليأس والرجاء تحت أشجار الصنوبر , وعذارى الطرب تستخرج من عناقيد باخوس خمراً تسكر بهِ ألباب الآلهة , ومن سكر الآلهة يولد الشعراء والأنبياء. على هذه الصخرة حيث أنا أحلم ثملةً بما شرَبتهُ مشاعري من رحيق الخيال العلوي , كان يجلس الأمير بشير الشهابي الكبير. كثيرون من بعده ومن قبلي جلسوا هنا وفؤاد كلٍّ منهم منقبض تهيباً وخشوعاً أمام أنفاس الطبيعة وأصوات الخلود. ما يجول بخاطري الآن كان يجول بخاطرهم لأن الأفكار تتشابه في المصدر وفي النتيجة على رغم تعدّد شُعبها وفروعها , والرغائب الكثيرة اللاصقة في أعماق النفس البشرية هي في كل آن ومكان. جميعنا طرح على النهر السؤال الذي انثر تموجاته الآن على الأمواج