للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالحيوان أرقى من النبات , والإنسان أرقى الحيوان. وهو لا يغفل واحدة منها. لأنه يقتل ليأكل , ويقتل ليلبس , ويقتل ليتزّين , ويقتل مهاجماً , ويقتل مدافعاً , ويقتل متعلماً , ويقتل لاعباً , ويقتل قاتلاً. . . . ملكٌ عظيم غاشم لا شيء يسدّ عوزه , ولا شيء يقف أمامه. تراه قد أحصى مقدار الزيت الذي يستخرج من رأس الحوت , ثم تراه قد شكّ بإبرته هذه الفراشة الجميلة الذي اقتنصها بإصبعه وهي طائرة , يحنّط التمساح ويسجن الطير , ويحزن الحية ذات الأجراس في ماءٍ يحفظها لأعين المفرّجين , وإذا ركب جواده ليصيد النمر كان سرج جواده من جلد ذلك النمر؛ يأخذ أمعاءَ الخرفان ليشدّها أوتاراً على قيثارة طربه؛ وينتزع أضالع الحوت فيصنع منها مشداً لخصر الفتاة العذراء. ويستعمل عظام الذئب آلاتٍ تتقاضاها صناعاته , ويجعل نيوب الفيل ألعوبةً لولده الصغير. أن مكاتبه لحافلة بأشلاء قتلاه. غير أن الفيلسوف الذي يتتبع هذه الحوادث لابد له من التطلع إلى حيث تنتهي في هذا الكون العظيم. إذ لم يبقَ فوق الحيوان إلاَّ الإنسان وليس غير الإنسان من ينفّذ هذا الناموس عليهِ. نعم إن الإنسان موكَّل بقتل الإنسان , ولكن كيف يتم ذلك وهو مخلوق ملؤه الحب والشفقة , يبكي مصائب قريبه كما يبكي مصائبه , ويخترع خرافاتٍ لنفسهِ لكي يبكي. . . كيف يتم ذلك وقد قيل له أنهُ يُسأل عن آخر قطرة من الدم المهزوق ظلماً الحرب كافلة هذا الحكم الرهيب. ألا تسمعون الأرض تهدر ظامئةً طالبةً شرب الدماء؟. .

لا تشفي أوارها دماء الحيوان ولا دماء

<<  <  ج: ص:  >  >>