يطلب الفرس هنا مرعى له؟ هنا لا طريق إلا للرياح، ولا مرعى إلا للثعابين. هنا لا مرقد إلا للجثث ولا مسلك إلا للعقبان
وكان العقاب يصوت ويهددني بمخالبه اللامعة. فتراشقنا بالنظرات ثلاث مرات. فلم يستول علي الرعب. بل استولى الرعب على العقاب. وأنا لم أزل أجد في الجري. وعندما التفت ثانية إلى العقاب، وجدته على بعد شاسع، كأنه نقطة سوداء، معلقة في كبد القبة الزرقاء، بحجم العصفور، فالفراشة، فالبعوضة، ثم اختفى في زرقة السماء.
طر يا حبيبي المحجل القوائم، تنحي يا صخور، ويا عقبان أفسحي مجالاً. . .!
على أن غمامة سمعت تهديد العقاب، فنشرت أجنحتها البيضاء على وجه السماء الزرقاء، وجدت في أثري: تريد الغمامة أن تكون فارساً جريئاً في الفضاء، كما أنا فارس جريء فوق الغبراء. . . ثم وقفت فوق رأسي، وصفرت تهديدها مع زمهرير الريح:
إلى أين يجري هذا الأحمق؟ هناك الحرارة تذيب صدره. ولا غمامة تغسل رأسه من الرمل المحرق الذي يعلوه، ولا جدول ماء يدعوه إليه بخريره الفضي. ولا قطرة واحدة تصل إليه من قطرات الندى، لأن الرياح الجافة تتشربها قبل الوصول إليه.
على أن تهديد الغمامة ذهب أدراج الريح، وأنا لم أزل أجد في السير، وهي ترتجف في السماء واهنة القوى، فحنت رأسها، واتكأت على صخرة، ولما التفت إليها ثانية كان بيننا