للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان هذا التحديد كافياً أو غير كافِ على الإطلاق , فهو دائماً يعبر نوعاً عن أهم أحوالنا البسيكولوجية والفيسيولوجية المنقسمة إلى ثلاثة ظروف هي سلسلة حياة الإنسان: الماضي والحاضر والمستقبل. ولكلٍّ من هذه الظروف علاقة كلية بالآخر يستحيل فيها الحذف والإلغاء لأنها إن لم تكن تلاشي الظرفان وتلاشى الزمان , وهذا من ضروب المحال. فالحاضر بمفهوميتنا هو ما يقع تحت إدراك الحواس اللمسيّ أو المعنويّ , في آن كائن بين خطين وهميين كل منهما أكثر أو أقلّ وضوحاً: خط الذكرى وخط الأمل , أي خط الماضي وخط المستقبل؛ والحاضر مزيج من الاثنين , وفي الوقت نفسه لا هو هذا ولا هو ذاك. بيدَ أن العلم المجرَّد يكاد يلغي هذه الأزمنة الثلاثة , وليس الزمان في نظره إلاَّ تتابع أشياء وأوقات لا بداية فيها ولا نهاية , كما أن الفضاء مسافة لا تحدّ , ولا أعالي فيها ولا أداني وجميع أجزاء الوقت التي انعيها كساعات النوم وساعات الغيبوبة تمتزج بعضاً ببعض وتتيه في هاوية الزمان كانت

فالزمان - كالمسافة - كائن وإن لم تتوارد فيهِ أشياء متتابعة ولأن ما لا نراه نحن يراه غيرنا , وما لا يراه غيرنا يستعد من الطبيعة قوةً , ويتبادل مع أنواع متشابهة متضادة حركته الحيوية الدائمة. وفروغ الزمان - كفروغ المسافة - كلمة لا تعني شيئاً , ويتعذَّر على الإنسان تصوُّر مسافة أو زمن خاوٍ خال من كل ما يقع في دائرة الحواس: فهناك دائماً

<<  <  ج: ص:  >  >>