هذا أي ريح من أخواتي الصغيرات هو؟ يتجرأ بشكله الحقير وطيرانه البطيء على الدخول في الصحراء مملكتي؟
قالت وزأرت هاجمة علي كأنها هرم متحرك. ولما عرفت أني لست إلا إنساناً وأنني لا أرجع عن عزمي، تلظت غيظاً، وضرب الأرض بقوائمها، فاهتز لها نصف بلاد العرب. وفبضت علي قبضة العقاب على العصفور، ولطمتني بأجنحتها العاصفة، وأحرقتني بنفسها الملتهب، وقذفتني في الهواء، وضربت بي الأرض. فانتصبت ووثبت عليها وعاركتها وفككت عقد عجاجها ومزقتها، وعضضتها فطحنت بأسناني قطع جسمها الرملي. حاولت الزوبعة الإفلات من يدي فلم تتمكن وتقطعت إرباً. وسقط رأسها مطراً رملياً وتمددت جثتها العظيمة على قدمي كأنها سور مدينة.
فتنفست حينذاك، ورفعت عيني إلى النجوم ونظرت إليها بإعجاب. فنظرت إلي النجوم
بأعينها الذهبية، لأنها لم تر غيري في الصحراء. . .
آه ما أعذب التنفس هنا بملء الرئتين. كل هواء بلاد العرب يكاد لا يملأ صدري. آه ما ألطف تسريح النظر هنا على قدر مد البصر، فإن عيني تنفتحان وتريان حتى ما وراء الأفق. . .! آه ما ألطف بسط الذراعين هنا بحرية على قدر طولهما. وكأني قادرٌ على ضم الدنيا بأسرها بين ذراعي من المشرق إلى المغرب. .!
فكري ينطلق كالسهم، ولا يزال يحلق في العلو حتى يغوص في لجة السماوات. وكما أن النحلة تدفن حياتها مع حمتها حين تغرسها، هكذا أنا مع فكري أغرس نفسي في السماوات.