هذا الجمع الموقَّر , وفي تكريم فقيدنا الجليل , لا أرى أجدر من ذلك الفقيد نفسهِ بالوقوف مؤبناً وخطيبً , يجول جولاته المعروفة , ويتدفق بفصاحتهِ المشهورة. على أنه إذا كانت يد الموت قد عقلَتْ ذاك اللسان الزلق , وأخمدت ذلك الصوت العالي , وأبلت ذيّاك الصدر الرحب , فلا أقلَّ من أن تسمعوا الهممَ صوتاً - ولو ضعيفاً - يندبُ تلك المناقبَ الغراء , ويرثي هاتيك الهممَ الشماء , فيترامى هذا الصوت الضئيل إلى مسامعكم , كما يترامي الصدى محمولاً على تموجات الهواء.
أيها السادة
عقدت الجمعية الخيرية هذه الحفلة , ودعتكم إليها , قياماً بالواجب عليها نحو رجل تفتخرُ بأن تعدَّه من أعضائها , وإحياءً لذكر فردٍ تعتزّ أمتهُ بأنهُ كان من أفرادها. ولستُ أدَعي الإتيان على سرد حياة فقيدنا الكبير , وحياته كانت حياةً عمومية عرَفها القاصي والداني؛ كما أنني لا أبغي تعدادَ مناقبهِ وخلاله , وأنتم أعرَف بها , وما فيكم إلاَّ القريب والصديق والرفيق. ولكنَّ في إعادة ذكر السلف تنشيطاً للخلف , وفي تمجيد فضائل السابقين إرشاداً وعظة للاَّحقين. وما أحوَجنا , شبيبة اليوم , إلى مثل هذه الأمثال الناجعة , تستفزُّ هممنا ساعة الخمول , وتبعث فينا روحَ الإِقدام وقتَ اليأس , وتضيءُ طريقنا إبَّان الظلام , وترفعُ رؤوسنا إلى العلى في عصر الماديات. وما أجمل المثل الذي يتجلى لنا من هذا القبيل في حياة ابن شكور , وهي الإخلاص والنزاهة , وعفة