ورأى من الواجب عليهِ أن يخدم مصر , حتى آخر رمق من حياتهِ؛ فعكف على خدمتها بقلمه ولسانه. فكان ذلك لا يباري. فشغل ساعات فراغهِ بتحبير تلك المقالات الشائقة في مواضيع اقتصادية وعمرانية ومالية. وكم كان له في هذا الميدان من الجولات الصادقة , والآراء الصائبة , التي تناقلتها صحف البلاد. وكم سمعناه في المحافل العمومية قارعاً أعواد المنابر يتدفق كالسيل الجارف , بفصاحته السلاّبة , وبلاغتهِ الخلاّبة. فكانت شباة قلمه كنصل الرمح أو أقوى , وحدُّ لسانهِ كحدِّ السيف أو أمضى. وقد أخلص في خدمته سموّ أميرنا العباس , كما أخلص جدُّه من قبل في خدمة جد الأسرة الخديوية الكريمة. شهد له بما سردتُ وعددت من جليل الأعمال وباهر الصفات كل من عرفه - وما
هم بالنزر اليسير من وطنيين وأجانب. وقد ذكره الورد كرومر في تقاريره الرسمية أكثر من مرة بالخير والثناء. ومما قاله فيه - ومثل هذه الشهادة لا يستهان بها: إن مدير عموم بلدية الإسكندرية , يوسف شكور باشا , رجلٌ سوري ذو نشاط كبير ودراية عظيمة. ولا شك في أن إصلاحات خطيرة قد تمت على عهده في مدينة الإسكندرية , ويجب عليّ أن أجاهر بأن تحريات لجنة التحقيق لم تتمكن من وجود ما يشين نزاهة شكور باشا. على أن تلك النزاهة لم تكن قط موضوع الريب هذا قليلٌ من كثير , أيها السادة , مما عرف به فقيدنا الكريم.