على تمام الاستعداد , وأخذ يصعد في درجات الترقي قفزاً , حتى صار مراقباً في الأموال غير المقررة. وعرف رياض باشا ونوبار باشا الطيبا الذكر قدر ذلك الموظف النزيه النشيط , فولّياه أمور مالية صعيد مصر. ولما صحت العزيمة على إنشاءِ بلدية الإسكندرية المختلطة سنة ١٨٩٠ , رأت الحكومة أن تعهد بهذه المهمة إلى رجل كفوءٍ للقيام بها , فوقع اختيارها على يوسف شكور بك. فنظّم تلك البلدية أحسن تنظيم , واشتهرت مقدرته ودرايته بين الوطنيين والأجانب , حتى رأت الحكومة أن تعين مديراً لأول بلدية مصرية دولية ذاك الذي أنشأها ورتب شؤونها. فذلل ما كان هناك من الصعاب , وأزال ما كان من العقبات. وظلّ في تلك الوظيفة عاملاً مجتهداً , مدة اثنتي عشرة سنة. وخرج منها طاهرَ الذيل , ناصع الجبهة , مخلّفاً في تلك المدينة - وهي مسقط رأسه - مآثر غير دوائر تنطق إلى الأبد بجليل عمله وعظيم نزاهته وإخلاصه. وقد يطولُ بي تعداد ما أتاه هناك من الأعمال الخطيرة والإصلاحات الجليلة , حتى بات لا يذكر اسم الإسكندرية والإصلاح فيها إلا ويُقرن باسم شكور باشا. وقد رأت تلك البلدية بعد موتهِ أن تُطلق على أحد شوارع المدينة اسم رجلها الكبير ومصلحها العظيم. ويا نعم ما فعلت! وفي سنة ١٩٠٣ غادر خدمة الحكومة نهائيّاً. على أن تلك النفس الكبيرة الناهضة أبت التمتع بالراحة التي استحقتها بعد جهادٍ طويل؛ فتولى شكور باشا إدارة شركات مالية مختلفة. أزهرت على يده وأثمرت؛ وكانت برهاناً جديداً على علوّ همة الرجل , ومضاءِ عزمه , وثاقب فكره.