المشهد الحسيني محبطاً لرحالهم فكنت ترى في هذه القهوة البلدية الشيخ الشنقيطي الكبير , والشيخ حسن الطويل , وسلطان بك محمد - أيام كان شيخاً معمعماً - والشيخ محمد النجار , ومحمد أفندي أبا الفضل , والشيخ أحمد القوصي , والشيخ عبد الرحمن قراعة , والشيخ سيد المرصفي وغيرهم. وكانت مجالسهم الليلة في هذه القهوة مجالس أدب راقية يتناشدون فيها الشعر وينثرون درر النثر , ويتنقلون في رياض الأدب والتاريخ والمنطق من القديم إلى الحديث. ثم فرقت بينهم أيدي الحدثان فمات البعض واشتغل البعض بشؤون الحياة وأصبحت قهوة كتكوت وقد خلت جوانبها من ذوي الألباب والفطن. وانشقّ أساتذة مدرسة دار العلوم وطلبتها عن إخوانهم طلبة الزهر الشريف فتألفت من أولئك حلقة جديدة في قهوة باب الحلق كان
رعماؤها الشيخ أحمد مفتاح والشيخ الحملاوي والشيخ محمود أبو النصر والشيخ محمد المهدي يحيط بهم عدد من الأنصار والمريدين من تلاميذ المدارس العالية وطلبة مدرسة المعلمين الناصرية. ثم تغلب الاشتغال بالسياسة على النظر في الأدب فكانت عمارة متاتيا الواقعة إلى جانب لبوستة والمحكمة المختلطة مثابةً لرجال القلم. فكان يجلس في طرفها المدعو القهوة العمومية الشيخ عبد القادر المغربي وعبّد الحميد أفندي الزهراوي والمرحوم حسين وصفي رضا - أخو صاحب المنار - وأمام العبد والشيخ محمد الشرباتلي وعهدنا بالأخر ليس بعيداً: فقد كان يحرّر في القهوة كل يوم أربع أو خمس جرائد أسبوعية فيأتيه صاحب إحدى هذه الجرائد ويدفع له الأجرة فيقوم بعد ساعة ومعهُ كتابة تزيد على حاجة جريدته. واحتلَّ القسم الأوسط المسمى قهوة جراسمو المرحوم إبراهيم بك المويلحي وإلى جانبه أحمد أفندي فؤاد صاحب الصاعقة وحافظ بك إبراهيم - قبل أن يضع رواية البؤساء ومحمود أفندي واصف. واستأثر بقهوة اسطنبول - في عمارة متانيا أيضاً - كتّاب الترك الأحرار