بين ولي الدين بك يكن وصاحَبي الزهور ألفةٌ بلا كلفة. وقد دارت بينهم مراسلة لطيفة منذ سافر ولي الدين إلى الثغر الإسكندري. واعقاد صاحب المعلوم والمجهول في رسائلهِ أن يجعل مدير هذه المجلة شخصاً واحداً بأن يشتقَّ لهما اسماً من شطرٍ من اسم هذا وشطرٍ من اسم ذاك. ولعلَّ في هذا الاشتقاق خير ردٍّ على الدكتور وغيرته. ومن محاسن الاتفاق أن وقعت بيدي آخر رسالةٍ كتبها ولي الدين , فأحببت أن أضمها إلى أزهاري لما فيها من عرف الإِخلاص وأريج المودّة الصادقة , قال:
رمل الإسكندرية - محطة مظلوم باشا في ٧ مارس سنة ١٩١٣
أخي انطوان تقي الدين
أنا أسير الفراش من منذ آخر كتاب أنفذته إليك. وهذا الكتاب أسطّره على ذلك المضجع الخشن. طال أمد السقام وأوحشتني الصحة. ويا ليتني إذ لم أفز بالصحة فزت برقدة يستريح الجسم فيها. لا هذه ولا تلك. أفٍ لأحكام المقدور. قصارى الانتصاف أن أكون لديه صاغراً. مضت لياليَّ كلها في سهادٍ مطّرد. ما عالجتُ النوم مرّة , قرَّبته مني قيد شعرة. أضطجعُ على سريري , وآخذ الكتاب من الكتب أقرأهُ حتى آتي على آخرهِ. ولقد أقرأهُ وأنا لا أفهم ما فيهِ. تلك استعانتي على أهاويلِ الدياجي , استعانة الضعيف بأضعفِ الحيَل. ولقد صبَّحتني اليوم زهورُك وأنا على سريري قائمٌ كأنف عبد الحميد على وجههِ. فإذا الزهور تبشّرنا باستهلال سنتها الرابعة - أطال الله عمرَ الزهور