شاعرُ كان عمرُهُ بيتَ تشبيبٍ ... وكان الأنينُ فيهِ الرويَّا
إنَّ في نظمهِ لحسّاً لطيفاً ... باقياً منهُ في السطورِ خفيَّا
هي أبيات كتبها خليل مطران على الصفحة الأولى من ديوان الشاعر الفرنسوي ألفرد ده موسه ولا يسع من ينظر فيها إلا أن يقابل بين حالَتيْ الواصف والموصوف , وشعر الأول والثاني , فيجدها تنطبق أتمّ الانطباق على الاثنين: كأن الشاعرَ العربي وصف حاله لما وصف حال الشاعر الإفرنجي. . . من المعروف أن لحياة الكاتب , والمحيط الذي ينشأ ويعيش فيهِ تأثيراً كبيراً في كتابته. ويرى على ذلك دليلاً واضحاً في شعر خليل: دبَّ شاعرنا وشبَّ تحت سماء سوريا الجميلة , بين جبالها وقممها البيضاء , أمام بحرها الصافي وأمواجه الزرقاء , فجاءَ شعره رقيقاً لطيفاً. . . ترعرع وكبر في وادي النيل بين آثار المدينة القديمة وصروحها العظيمة , فكان إنشاده فخماً عظيماً. عاش تارة في القرى والجبال , فتشرَّب حب الفضيلة والطبيعة , فأسمعنا الشعر زاهراً طاهراً؛ وعاش طوراً في المدن , فراعه ما فيها من التعاسة والشقاء , فألقى علينا إنشاده مبكياً زاجراً. قال في مقدمة ديوانه أن القارئ يدارجهُ مدراجةً تمثِّلهُ لديهِ في كل حالة مرَّ بها ولقد أصاب في ذلك , فإن شعره بالحقيقة رسمٌ تمثَّلت لنا فيهِ كل أطوار صاحبه , وارتسمت بين أبياتهِ كل عواطف قلبه , وتأثرات فؤاده. وهذا سرُّ محاسن شعره العديدة. وصف لنا خليلٌ حياته في صبا , بين آثار بعلبك , فتمثلناه: