للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتهذّبت طباعهُ , وانقلب شتاتهُ اجتماعاً , وفوضاه نظاماً , وبلغ من العلم حظاً تقصر كل مبالغة عن وصف عظمه؛ وما الجهل الباقي بشيء يصح أن يسمى عقبةً في سبيل سلطان العلم الماضي الحكم لأن كثير الجهل قليل , فألفُ ألف جاهل مثلاً يستطيع أحد العقلاء أن يجعلهم تابعين لكلمته كما تتبع الغنم صوت راعيها. . . هذا وما نحن بمنكرين كثرة الشرور , ولكنَّا مع كثرتها قلما رأينا شيئاً منها إلاَّ ورأينا أمامه قوىً بها يحتمل الناس شدائدها. فإذا صح أن نسمي كلَّ شيء من الشدائد مثلاً شرّاً لزم أن يصح تسمية ما يقابلها من القوى خيراً على أنه ليس من الحق أن نُطيَّر بالشدائد , ونتبرَّم بها , وننقم عليها في حين أن كثيراً منها مربيات ومرقيَّات للأفراد والجماعات , ويا لله كيف يكون طعم الهناء لولا العناء؟ وكيف كنا نستطيع أن نعرف سائر الأنواع المسماة خيرات لولا ما يقابلها من أضدادها إذ لولا المرض , لقال قائلٌ: ما هي نعمة الصحة , ثم ما هي الفضيلة لولا الرذيلة , وما هو الانبساط لولا الانقباض , وما هو الذكاء لولا البلادة , وما هو المجد والرفعة لولا المهانة؟ فكأن هذه الشرور إنما وجدت ليكمل بها حظنا مما هي أضدادها. يشكو معلّبو الشرّ من الأمراض وبديهي أن صحة أكثر الأفراد هي الأغلب فإن مرض أحدهم في العمر مرة أو مرتين أو أكثر كان ذلك لتتضاعف لذته يوم يرجع إليهِ بعد الهجر حبيّبه العظيم الذي هو العافية؛ وإن كانت نهاية بعض

الأمراض الموت فذلك - والموت محتوم - خير من اختطافه خطفة واحدة على حين غرة , ولوقوع موت الفجأة في بعض

<<  <  ج: ص:  >  >>