إيَّاك والدنيا الدنَّية إنها ... شركُ الردى وقرارة الأكدارِ
دار إذا ما أضحكت في يومها ... أبكت غداً تبَّا لها من دارِ
أما مغلّبو الشر فلم نرَ لفلسفتهم كثيراً من الشروح الضافية , وإنما وقفن على قليل منها في أخبار وآراء بعض الصوفية والفلاسفة. وقد رأينا بعضهم لا يكتفي بتغليب الخير , بل يذهب إلى أنه لا شرّ على الإطلاق , وأن الكون كله خيرٌ محضنٌ من خيرٍ محض. وما اختلاف المفكرين والفلاسفة وأصحاب الأديان بتعريف الخير والشرّ , وتعيين أنواع كل واحد منهما بأقلّ من اختلافهم في الموازنة بينهما. كلاَّ , بل هو أكثر بكثير. وإذا ما نحن استطعنا أن نُرجع إلى ثلاثةٍ عددّ مذاهب المختلفين في الموازنة فإننا لا نستطيع أن نُرجع إلى عدد معيَّنٍ مذاهبَ المختلفين في التعريف وتعيين الأنواع. ولا يدري مقدار عذر هؤلاء في استلافهم هذا إلاَّ من جال نظره طويلاً في ميادين الطبيعة البشرية وسبر كثيراً أحوال الأفراد والجماعات , وتأمل مليّاً فيما يقعُ فيهِ الحسُّ والعقل من الأغلاط , وعرف جيداً ما للعادات والتقاليد من النفوذ والتأثير , وما لها من المنافع والمضارّ , فرجل أوتي هذا النصيب العظيم من الخبرة يعرف أنه ليس من البديهيّ معرفة ما هو الخير , وما هو الشرّ. فلا يهزأ حينئذٍ بكثرة اختلاف المختلفين فيهما من أهل الأديان والفلسفات , ولا يتكهم على أقوام رأوا الخير كل الخير في تعذيب الأديان والفلسفات , ولا يتهكم على أقوام رأوا الخير كل الخير في تعذيب النفس وحرمانها من الشهوات الحيوانية , ولا على آخرين ضادّوهم كل