قوي , وإنما الشرُّ أن تكون قوياً فتفقد هذه القوة. وكم من قوي قد ضعف , فما كثرة الضعفاء العتيدين أن يقووا سوى كثرة أبواب الأم الذي هو روح الحياة وباعث النشاط , والخير كل الخير في هذا , وما قلة الأقوياء المعرَّضين لفقد القوة سوى قلة أبواب الوجل الذي هو باعث الغمّ والانقباض , والشر كل الشر في هذا. فسبحان من هذا نظامهُ وأثر حكمته ورأفته , والله رؤُف بالعباد. ويقول المتوسطون: إن أعجب ما في الخيرات والشرور أنك تراها متقابلة كفريقين من العسكر قد وقف أمام كل صف آخرُ مثله في الجانب المقابل كأنما قد وُكل إليها أن لا يألوكلُّ فريق منها جهده في حفظ القلعة التي هو قائم عليها. بيد أن الجيوش التي نعهدها لا تلبث ساعة أو بعض ساعة من الدهر , حتى يقرع أحدها الآخر ويفلَّه , وأما جيشنا المنن والمحنَ فإنهما ما برحا متوافقين منذ أولية هذا النوع , ولعلهما سيظلاَّن مكانهما ما دار بنا المدار , ولكن من سير الإنسان نحو التكمل نفقع أن ثمَّةَ رجحاناً لجانب الخير على جانب الشرّ إلا أنه رجحانٌ خفيف جداً جداً إذ لولا ذلك لما كان الخطو إلى التكمل بطيئاً بهذه الدرجة. كل هذا قاله المفكرون. وقد أكثر مغلّبو الشرّ من ترداد شواهدهم والتغني بفلسفتهم , كأنهم وجدوا المجال واسعاً , والنغَم مؤثراً , إذ لا أوقع في نفس المفجَّعين من إظهار التألم مثلهم , وذمّ الدنيا التي هي مثار فجائعهم , ومدار محَنهم , وكثير من أهل هذا الرأي كانوا شعراء قد ضاقت عليهم مذاهب المعاش , فأشبعوا دنياهم ذمّاً وهجواً وملأوا الأسفار بوصف