أنتِ تعرفين تاريخ حبنا كلهُ وتقدرينه قدره من الاعتبار لأنهُ حبٌّ روحي كنا بكل جرأة نباهي بهِ ونفاخر. ولكني لا أعلم إذا كنتِ تعرفين كيف نبت هذا الحبّ ونما , فاعلمي يا أنيسة أنني أنا الذي كنت ضحية هذا الحب بلا ذنب. كنت يوماً أتنزه مع نسيبةٍ لي , فالتقينا اتفاقاً بأمينة تتنزه مع قريب لها , وكان بيني وبين تعارف سابق , وبينها وبين نسيبتي مثله , فتبادلنا التحيات واجتمعنا نتحدث في شؤون مختلفة , فما انتهت جلستنا حتى شعرت بأني نزلت من فؤاد أمينة منزلاً حسناً. ثم تلاقينا فمدَّت إليَّ يد التوّدد , فمددت لها يد الترحاب , وكل منا يعجب بسجايا الآخر , وهكذا نما الحب واشتد وتمكن مني. لم أتعشقها من نظرة كما يقولون , ولا سعيت في جذب قلبها نحوي بالنصبي , وهي خالية الذهن مني , ولا سبقتها ببث الحب. بل لطالما عملتُ على إطفاء ما كان يتقد في نفسها من الشغف بي اتقاءً لمبادلتها هذا الوجد خشية أن تنقلب عليَّ يوماً , ويكون ولعي بها قد أزمن , فلا يبقى إلى الشفاء سبيل فأشقى وتسعد , وأتألم ولا تبالي؛ ولكنها كانت قادرةً , فلقحت دمي بمكروب هواها , وتركتني هازئة , ولسان حالها يقول: أشفَ أن قدرت. هل أقول أن مظاهرها تلك كانت تفنناً في اختلاب الألباب واستهواء العقول. إنكِ لا توافقيني على هذا القول , وأنا لا أجسر على الجزم بهِ. إنكِ تعرفين منها أنَّ حبها كان حقيقياً كحقيقة وجودها , ولكن يمكنني الآن أن أكرر قولي لكِ - ولو ساءَك - أكرره ولا أقبل فيهِ جدالاً , ولا بضده اقتناعاً أن قلب المرأة سريع الميل سريع الانحراف. أن حبّ المرأة فجائي الحدوث فجائي الزوال ولعلها في هذا الخلق أسعد حظاً من الرجل , فلا تأسف على هناء ضاع ولا تذكر حباً كان , في حين أن ثبات الرجل في حبٍ لا أمل له فيه ولا عزاء , إنما هو كل الشقاء. أن الراويات الموضوعة التي تمثل وفاء المرأة وخيانة الرجل في الحب , إنما هي