اجتاح العدوُّ بلادهم , وقبض على ناصية أرضهم , تولتهم الحماسة , وهزَّتهم النخوة , فألفوا صفوفهم الممزَّقة , وقوَّتهم الضائعة؛ فبرز ضعافهم أشداء , وجبناؤهم شجعاناً , ومتطوعتهم منتظمة , فانتصروا. وفي وصايا بولس رسول النصرانية رتلوا وغنوا الصلاة. وفي الآيات القرآنية:{ورتلِ القرىن ترتيلاً} وفي التوراة نشيد الأناشيد , وفي أخبار داود أنه ما كان يزيل كربته إذا ذكر أمرُ شاوول إلاّ الغناء. وفي أخبار السحرة والعرّافين أنه ما استأثروا الألباب ولعبوا بالعقول إلا بعد ترويضها بالغناء. ويؤكد هوارس أنّ مصر تقدَّمت غيرها من أُمم الأرض بالمدينة والحضارة , لأنها تقدَّمت غيرها بالغناءِ. وفي أقوال أحد شعراء الفرنساويين: إذا تآخت الأَصوات , دنت القلوب من الوئام وإذا اجتمع الناس لأمرٍ , لا تنفق عواطفهم ولا تتحد أميالهم إلاّ إذا اتحدت أصواتهم بأنشودةٍ واحدة. وكان الأطباء يداوون المرضى بالأغاني. وروى هوميروس وبلوتارك أن القدماءَ كانوا إذا جلسوا بعد الأكل والقصف يغنون فيفثأون من ثمولهم. ومن أقوال لوبز في الغناء أنهُ في الكلام كاللون في الصور. ومن الأغاني ما يبكي ويرقق , وهو لما كان من الشعر في الغزل والشوق إلى الوطن والبكاء على الشباب والمرائي والزهد. ومنها ما يطرب , وهو لما كان في نعت الشراب , وذكر الندماء والمجالس والصبوح والدساكر. ومنها ما يشوقُ وترتاح إليهِ النفس كصفة الأزهار والأشجار