في مثل هذا اليوم من عشرين سنة مضت - في اليوم الأوَّل من شهر يوليو سنة ١٨٩٣ - رأيتُ أن أبتاع من بعضهم جريدة أسبوعية اسمُها الرأي العام كنت أطبعُها لشابَّين سوريَّين لم يتفقا على تحريرها , ولكنهما اتفقا على تركها لي؛ فاشتغلتُ بها من ذلك اليوم , وجعتُ أغيّر ما بها على مهلٍ , وأحرّرها من رقِّ الرياء , لأنها نشأت على عبادة السلطان عبد الحميد ومدح أبي الهدى , وما بقيَ من أساليب الوطنية التي كانت شائعةً في ذلك الزمان , حتى جعلتها الرأيَ العام المعروف في أوائل هذا القرن وأواخر القرن الماضي. وتدرَّجتُ منها إلى الاِشتغال بتحرير الجرائد اليومية , وبغير هذا من فنون القلم إلى أن بلغتُ هذا النهارَ من عمريَ الصحافي , وذكرتُ ذيَّاك العمرَ الطويلَ وهاتيك الحوادث الكثيرة والعبر المتوالية؛ فقلت إني آنَ لي أن أستريحَ قليلاً من عناء حرفةٍ لم تفارقني ولم أخن عهدَها في كلّ هذه السنين؛ لعلَّ الراحةَ تجدّد القوى وتنسي بعض الذي مرَّ من متاعب التحرير والتحبير. وماذا أقول وما الذي أسطّر هنا من خزانةٍ وعت أموراً تضيق بها المجلدات , وذاكرةٍ طالما أغنتني عن بعيد الكتب وعزيز المؤلفات؟ لعمرك لو أنني أسطرُ عشرَ الذي يجول الآن في ذهني بينا أنا أخطّ هذه السطور لأغنيتك عن مطالعات أسبوعٍ أو شهرٍ من الزمان. أٌول ذلك لأنني ذاهبٌ إلى أبعد القارَّاتِ عن هذا القطر لأقضي فيها أشهراً , وليس يدري غيرُ الله كيف يكون الختام. أنا النفسَ ألفت بلاداً قضيت فيها زهرةَ العمر وجئتها من نحو ٢٩ عاماً؛ فعسيرٌ عليها أن تحنَّ إلى وادٍ