أجزائها السابقة - والزُّهور كما يعهدها القرَّاء لا تنشر من الشعر إلاَّ الجيّد المختار - فكن في الذي روته لهُ , على قلّتهِ , دليلٌ على الإجادة والمقدرة. على أنَّ ذلك القليل لم يكن كافياً لإظهار الشاعر بمظهره الحقيقي من الشاعرية فرأينا أن نختار اليوم مما وقع إلينا من شعره ما لعلَّه أن يكون أدلَّ
على فضلهِ , وأفصح عن بيانهِ وأدبهِ:
قال من قصيدة:
يا هندُ قد الِفَ الخميلةَ بلبلٌ ... يشدو فتصطفقُ الغصونُ وتطربُ
هوَ شاعرُ الأطيارِ لا متكبّرٌ ... صَلِفٌ ولا هو بالإمارةِ معجَبُ
تتعشَّقُ الأزهارُ عذْبَ غنائهِ ... فإذا شدا فبكلِّ ثغرٍ كوكبُ
والغصنُ - والأوراقُ آذانٌ لهٌ - ... ماذا تُرى فيها النسيم يتبتبُ؟
وإذا الضُحى لمعت بوارقُ ثغرهِ ... نادي بأجناد الطيورِ تأهبوا
فسمعتَ للأطيار موسيقي على ... نغماتِها يأتي النهارُ ويذهبُ
والصوتُ موهبةُ السماءِ فطائرٌ ... يشدو على غصنٍ وآخرُ ينعبُ
هي للهزارِ مكانةٌ من أجلها ... دبَّت بأفئدةِ الحواسدِ عقرَبُ
فتألبوا من حولِ أشمطَ أشيبٍ ... يحدو به للشرّ أشمطُ اشيبُ
فإذا همُ حولَ الغرابِ عصابة ... بأحطَّ من أخلاقها تتعصَّبُ
فشكوا لبعضهمِ الهزارَ وجذوةً ... بفؤادِ كلٍّ منهمُ تتلهبُ
وتشاوروا فإذا الوشايةُ خيرُ ما ... شَرَكٍ به يقعُ الهزارُ فيُعطبُ
فسعوا بهِ فإذا الهزارُ مقفَّصٌ ... والبومُ منطلِقُ الجوانحِ يلعبُ
يا هندُ إني كالهزارِ فإن يكنْ ... هو مذنباً فأنا كذلك مذنبُ