دلائل وقرائن عليهِ في نظر عليهِ في نظر مَن يأخذ الأمور بظواهرها. غير أنَّ النيابة ذهب عن بالها أن تبحث , في الدرجة الأولى , عن الطريق التي سلكها فؤاد إلى الغرفة النائمة فيها أدماء حتى تمكن من ارتكاب الجنلية. أمَّا أنا فلم أغفل هذا الأمر قط , فقد عرفتُ أنَّ الخواجه فرج الله أقفل بيدهِ باب المنزل قبل أن نام , وترك المفتاح في ثقب الغال من الداخل. ثمَّ علمت أنَّ الخادمة , لمَّا أفاقت في الصباح , وجدت الباب مفتوحاً فاستنكرت ذلك كما استنكرهُ سيدها والخواجة
سليم أيضاً. ولو تنبَّه رجال التحقيق إلى أنَّ الغال لا يمكن فتحهُ بمفتاحٍ من الخارج , ما دام أن َّ المفتاح متروك في ثقبهِ من الداخل , لأدركوا مثليَ أنَّ الجاني إمَّا أن يكون غريباً , وإمَّا أن يكون بعض أهل أدماء. فإن كان الأوَّل اقتبضى أن يكون لهُ شريك ممَّن في المنزل فمكَّنهُ من الدخول؛ وإن كان الآخر وجب أن يكون أحد اثنين: إمَّا الخادمة , وإمَّا الخواجة سليم. وأمَّا أن يكون الجاني قد دخل البيت من غير بابهِ فمما لم يكن معقولاً قط لأن العلوَّ شاهق جدّاًو والبيت مطلٌّ من جميع جهاتهِ على الشوارع المنارة حيث الخفراء والمارّة لا يبرجون بين رواحٍ ومجيء. أضِفْ إلى هذا كلهِ أنَّ البرد كان قارساً في تلك الليلة , وأن النوافذ جميعها بقيت مقفلة حتى الصباح. ولما تشبَّعت من هذهِ الحقائق بحثت عن سيرة الخادمة مُنقباً نستقصياً فعرفت أيها قديمة العهد في منزل الخواجه فرج الله , وأنها اعتنت بأدماءِ بعد وفاة والدتها , وحنَت عليها كما لو كانت أمَّها الحقيقة , وأحبَّبتها بإخلاص شديد , فكانت لها خادمةً وأمَّا وصديقة معاً. أوَ بعد هذا ما يستوقف شبهاتي عليها؟ ولكنني وقعت حينئذٍ في حيرة شديدة: فلا ظنوني بواقفة عند الخواجه فرج الله , ولا شكوكي بمنتقلةٍ إلى الخواجه سليم. ذلك والدٌ وهذا خطيبٌ وابن عمّ.
فمن الجاني إذاً؟ أشيطانٌ من جهنم , أم ملكٌ من السماء؟؟
ولقد حاولت كثيراً أن أذهب مذهب النيابة العمومية في اتهام فؤاد اليافي فلم