للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كنت دلائلَ قوية على ثبوت الجريمة على ذلك الشابز ولما توافرت الأدّلة على هذا الشكل أمرت النيابة بتعقّب الجاني , وضيّقت عليهِ سُبُل الفرار من القطر لمصري بما بثتهُ من العيون والأرصاد. وفي ذلك النها نفسهِ ورد على نيابة مصر تلغراف من بوليس الاسكندرية يُفيد إلقاء القبض علىالمتهم وهو يتأهب للسفر إلى أوروبَّا على إحدى البواخر. فجاء هذا دليلاً جديداً على أنَّ فؤاداً هو الجاني , لأنَّ سفرَه الفجائي لم يكن إلاّ بَغية الفرار من وجه القضاء والعدل. واتّصل خبرُ الجناية بصحف العاصمة فنشرتهُ , كعادتها في أمثاله , مقتضباً ومذيّلاً بكلمات الثناء على مهارة النيابة العمومية , وتيقَّظ رجال البوليس. أما أنا , وقد رأيتُ بعيني , وسمعت بأذني , فإني رويت الحادث في الأيام مسهباً في تفضيل وقائعهِ كلَّ الإسهاب. ثمَّ قلت في ختام كلامي: إنَّ على النيابة أن لا تغشى عينيها الأدلّة من نحو الشذوذ في الاتفاق فيكون فؤاد بريئاً من التهمة التي أصقها بهِ نكد الحظّ. لم أقل ذلك عفوَ الخاطر أو من قبيل التفلسف في الأمور؛ وإنما بنيت قولي على توافرِ عقائد في نفسي حسبتها براهين تجيزُليَ نفيَ التهمة عن فؤادِ , والقاءها على عاتق سواه. فعزمت على أن استكشفَ الحقيقة مهما اقتضيتهُ من عناءٍ ومال , لأنّ الصحافي الماهر هو مَن بذل جهدهُ لمعرفة الحقائق , ثم سبق إلى نشرها؛ وإنما بهذين اشتهرت الأيَّام ومشت في طليعة الجرائدِ العربيَّة الكبرى. أمَّا شكوكي فبدأت حيث بدأ اقتناع النيابة العمومية. هي كانت ترى كلُ شيءٍ إيجاباً في حين كنت أراهُ أنا سلباً. فغيرة فؤاد وتهديدهُ , وسهرهُ وقلقه , ورسالتهُ إلى والديهِ , وسفرهُ إلى الاسكندرية , وعزمهُ على مغادرة القطر , كانت جميعها

<<  <  ج: ص:  >  >>