ولقد حققت الأيامُ للطبيب آمالهُ في الإسكندرية قطارت شهرتهُ , وكثر الإقبال عليهِ من جميع أحياء المدينة , حتى ضاق مستوصفهُ بالوافدين إليهِ. وكانت آسين تعاونهُ في أعمالهِ , كما كانت تعاونُ قبلهُ الطبيب الشيخ في بيروت؛ وكانت المحبةُ تزدادُ بينهما على مرّ السنين حتى أصبحا مضرب المثل في ذلك بين جميع المعارف والأصدقاءِ. وولدت آسين خلال ذلك ولداً وثلاث بنات , فازدادت بولادتهم روابط المحبة بين الزوجين , وأصبح لوتي لا يترك مستوصفهُ إلاّ إلى زوجهِ يباسطها , وإلى أولاده يلاعبهم ويداعبهم. ومضى أربعة عشر عاماً وهذه حالها من الغبطة والهناءِ , لم يتكدَّر صفوهما , ولا تسرَّب إلى قلبيهما همٌّ.
وبينما هما بحبوحة الرغد إذا بوالدة لوتي قدمت من الولايات المتحدة لتزور ولدها فلما اجتمعت بهِ وبزوجهِ وأولادهما , نفرت من الزوجة وانعطفت على الأولاد , وانطلق لسانها في تعبير أمهم وتحقيرها في أعينهم , هازئة بها وبجنسيتها قائلة: أنتم أميركيون , يشرّفكم انتسابكم إلى أبيكم , ولا يحطّ من قدركم إلاّ أن يعرف الأميركيون أن أمكم آسين! وقد تمادت في تنفيرهم منها , بل حرَّضتهم على مقاطعتها والترفع عن ملازمتها ومصاحبتها في الزيارات وأمام أعين الناس.
كانت آسين نرى وتسمع ذلك كلهُ فتكتم الكمد وتظهر الصبرَ والجلد؛ ولم تكاشف زوجها بشيء مما تعانيه , ولا خاطبت حماتها بكلمة عتبٍ أو ملام , إلى أن اعتراها ذهولٌ شديد ذهب بلبّها وأفقدها صوابها. فحار زوجها في علتها ونقلها بيديهِ إلى المستشفى وأقام ساهراً عليها. وكأنما شعورها بعطفهِ وحنانهِ كشف عنها ذلك الذهول , فلم يمضِ عليها أسبوعان حتى عاد إليه صوابها. وكأنَّ ما أصابها خلق في