نفسها قوَّةً لم تكن فيها من قبل فباحت لزوجها من جهةٍ , وللقنصلية الأميركية من جهةٍ أخرى , بما تفعله حماتها في منزلها مما كان سبب علتها. على أثر ذلك ردّ الدكتور لوتي والدتهُ إلى الولايات المتحدة , وردّ غيابها إليهِ وإلى زوجهِ وأولادهما تلك العيشة الهنيئة التي كانوا فيها من قبل , غير أنها لم تطل أكثر من أربعة أعوام إذ عادت أم لوتي , وقد عقدت عزيمتها على السفر بولدها لوتي , وأبنائهِ الأربعة دون أمهم إلى الولايات المتحدة. وكان الولد قد بلغ السادسة عشرة من عمرهِ , وبلغت البنت الكبرى الثامنة عشرة , والصغرى الرابعة عشرة. فاستأنفت سيرتها الأولى مع الأم والأولاد , وزادت عليها أنها اغتنمت فرصة بلوغ البنات لتشويقهنَّ إلى التزوُّج من بعض الأغنياءِ الأميركيين , وتمكنت من استمالتهنّ إليها. ولم ترَ آسين من زوجها في هذه المرَّة عطفاً في شيء , ولم تكشف له عن سريرتها لاعتقادها أنهُ لا تخفي عليهِ خافية من أمر أمهِ وأعمالها وأقوالها , بل لزمت الصمت , وتولتها الكآبة والحزن , ودبَّ في فؤادها اليأس والجزع , وباتت منغصة العيش تقضي الليالي سهداً وبكاءً , وتصبح حيرى يتنازعها عاملان بين أن تنتصف لنفسها من حماتها وتظهر سلطتها في منزلها وعلى أولادها , وهو العامل الأول , وأن تضحي نفسها فدّى لفلذات كبدها ولوالدهم الذي أحبتهُ وأخلصت له الودّ , وهو العامل الثاني. ومضت عليها أيام في هذه الحيرة حتى أخذ الجزعُ
منها كلَّ مأخذ ونحل جسمها ووهنت قواها إلى حدّ أنها عافت الطعام والشراب , وعجزت ركبتاها عن حملها , فارتمت في مخدعها خائرة العزم , وقد غلب عليها العامل الثاني. ولو علمت في تلك الساعة بأنّ زوجها نسي حبها واشتغل قلبهُ عنها بحبّ أخرى من النساءِ لباحت بما تكتمهُ , بل لربما كانت اختارت العامل الأول. إلاّ أنها كانت تحبهُ حبّاً مفرطاً , ولم يكن ليخطر في مخيلتها أنهُ يخونها في عهد أو ميثاق.