والألوان والخطوط، وجميع العناصر والأرواح والخيالات، وكل ما تحدثه الطبيعة بحراكها والإنسان بكيانه يستسلم إلى مشيئتك ويتكون بكيانك ويتمايل مع أميالك.
أنت تلامس الزمن، فيتحجر الزمن، وينقلب تماثيل منتصبة أمام وجه الأبدية. أنت تتنفس في الهواء، فينسكب الهواء خمرة علوية من بين شفاه المغنين وأصابع الموقعين. أنت ترتعش بين دقائق النور، فيسل النور مع الحبر على أوجه الأسفار والكتب. أنت تتناول أشعة الشفق، وألوان قوس قزح، وتبتدع منها صوراً ورسوماً. أنت تطأ بأقدامك الصخور فترتفع الصخور معابد ومساجد وهياكل خالدة بخلود الدين.
أما عرشك تظل الأجيال واقفة مستيقظة مترنمة، فما مضى منها يبقى حاضراً بحضورك، وما سيأتي منها يطوف الآن مرفرفاً حول أذيالك.
إن مجد الأمم يبقى ما بقيت، ويذهب إن ذهبت، لأنك من حياة الأمم بمقام القلوب من الأجساد: فمصر وآشور وفارس لم يتعالين إلى السماء إلا بقربك وما انحدرن إلى الهاوية إلا لبعادك، وأغريقيا ورومة وبيزنطيا لم يتعانقن النور إلا في ظلالك، وما هجعن بين لحف الظلام إلا لهجرانك - واليوم قد درست الأجيال أمجاد تلك المم وجبروتها لكنها لم تستطع أن تمحو آثار أقدامك عن آثارها، ولم تقدر أن تمزق بقايا النقاب السحري الذي ألقيته على بقاياها، فالسائر على ضفة النيل يرى أشباحك حائمة بين القصور والهياكل، والواقف على الأكروبليس يشاهد شعلات أنفاسك