للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طائفة فوق الأعمدة والأصنام، والناظر إلى جدران الخرائب في سبارطا وتدمر وبعلبك، يقرأ مطالع الموشحات وأذيال القصائد التي خطتها

أناملك.

إذا كان التاريخ مرآة العصور فأنت اليد التي جلت وصقلت أديم تلك المرآة، وإن كان العلم سلماً يرفع الإنسان إلى ما وراء الكواكب فأنت العزم الذي يبني ويبقي درجات ذلك السلم. وإن كان الدين شعر الحياة، فأنت الوزن الذي يجعل لذلك الشعر رنة في الصدور، ونغمة في القلوب.

أيها الفن الغريب بأسراره، العجيب بخفاياه، القوي برقته، الفاتن بهوله ومهابته، كيف نصفك وبماذا نشبهك، وأنت روح الوصف وعلة التشبيه. هل ندعوك عاطفة؟ وأنت مولد العواطف والإحساس. أم ندعوك قوة؟ وأنت مظهر القوات والعزائم. نحن نرى مجدك بعيون قلوبنا الشاخصة، ونسمع أناشيدك بآذان نفوسنا المصغية. ونثلم أطراف أذيالك بشفاه أرواحنا المرتعشة. ولكننا لا نستطيع أن نخط حرفاً من حروف اسمك حتى تلامس أصابعنا أصابعك، ولا نقدر أن نتكلم عن جمالك إلا إذا غمست ألسنتنا بخمرة جمالك، فأنت بنفسك مظهر لنفسك، ونحن بقوة الحب الذي وضعته في أعماقنا نقترب من محبة القوة التي وضعها الله في أعماقك.

اجعلني أيها الفن خادماً من خدامك المتسلطين على الحياة. وصيرني جندياً من جنودك المنتصرين على الدهور، ودع حريتي تستعبد لمشيئتك، والمس نفسي بشعاعك لعلها تقترب من مبدعها ومبدعك.

باريس

جبران خليل جبران

<<  <  ج: ص:  >  >>