يظهرَ لحيّز الوجود. حتى إذا أدَّى كلٌ من القلب والرأس ما يطلبهُ هذا النشيدُ منهما برزَ فكان قوَّةً حيَّةً تدفعُ القوم لخدمة وطنِهم , والذَّود عن حياضِهِ , والعملِ لرفعة شأنه. سألَ أحدُهم شاعراً من كبار الشعراءِ أن يُعَلِّمَهُ الأوزانَ فأجابهُ: إذا لم يُوحِ قلبُكَ إليك الشعرَ فما تنظمتُهُ لا يكونُ شِعراً هكذا الأناشيدُ الوطنيَّة. فإنها لا تَفعلُ فعلها في النفوسِ إِلاّ إذا كان منشأها القلبُ ولا أعرفُ نشيداً وطنيّاً تطيرَ لهُ القلوب , وتثب الأفئدة , ويجري الدم حارّاً في العروق عند سماعه , مثل المرسلييز نشيدِ فرنسا الوطني. لم يوضع ليكونَ نشيدَ الثورةِ الأفرنسية , ولكنهُ هيأَ النفوسَ لها. وُضِعَ عندما كان لويسُ السادسُ عشرَ الآمرَ الناهي. فلما أعلنَ الحربَ على النمسا عام ١٧٩٢ اقترح محافظُ مدينة ستراسبرج وضع نشيدٍ يستفزُّ بهِ هِمم الشبَّانِ للدّفاعِ عن بلدِهم. فلَبَّى طلَبهُ يوزباشي اسمهُ روجيه دي ليل. جادت عليه الطبيعة بإِبداع الشاعرِ وابتكارِ الملحّن. فنظمَ النشيد ولحَّنهُ بين مساءٍ وصباح. وقد كانَ من تأثيرهِ على النفوسِ أن تطوَّعَ في الحاميةِ المدافعةِ تسعمائة شابٍّ في يومٍ واحد. ولم يكن أحدٌ يحلمُ , ولا لويسُ السادسُ عشرَ نفسهُ , بما سيكونُ من الأهميَّةِ للمرسييز الذي كان يُسمَّى نشيد جيش الرين حتى مشى أهلُ مرسيليا لباريز يترنَّمونَ بهِ طولَ الطريق فنُسِبَ إليهم. ولا يقلُّ نشيدُ غريبالدي عن المارسييز. ويكفي أن نقولَ في