وهل يُنكرُ الإحسانُ إلاَّ لئامةً ... وينكرُ حسناً غيرُ مَن طرفُهُ عَمي؟
وهل شهودِ الشمسِ أدنى مزيَّةٍ ... وقد جاَء ضوءُ الشمسِ لم يتكتَّمِ؟
رُويدَكَ لا تُكثرْ لدهرِك تهمةً ... ولا تيأسنْ من أهلهِ بالتوهُّمِ
فما زالَ من يدري الجميلَ ولم يكن ... لتأخذَهُ في الحقّ لومةُ لوَّمِ
وأنت الذي لو أنصفَ الدهرُ لم يكن ... لغيرِكَ في العلياءِ صدرُ التَقدُّمِ
جَمعتَ العُلى مِن تلْدِها وطريفها ... فجاَءت كعقدٍ في ثناكَ مُنظَّمِ
غدَت خطَّتي إِمَّا يراعٌ ومِخذّمٌ ... وأنَّك قُطبٌ في يراعٍ ومخذَمِ
ولم أرَ كفّاً مثل كفِّكَ أحسنت ... إلى المجد إرعافَ المدادِ مع الدَّمِ
جَمعَتها جمعَ القديرِ بكفّهِ ... إلى محتدٍ سامٍ إلى المجدِ ينتمي
ولو كان يَرقى المرءُ ما يستحقُّهُ ... إذاً لبلغتَ النّيراتِ بسلَّمِ
وأنتَ الذي يا ابن الكرامِ أعدتَها ... لأفصَحَ من عهدِ النواسي ومسلمِ
وأنشرتَ مَيت الشعرِ بعد مصيرهِ ... لأعظمَ نثراً من رُفاتٍ وأعظمِ
وأَشهدُ ما في الناسِ مِن متأخِّرٍ ... يدانيكَ فيهِ , لا! ولا متقدّمِ
ولو شعراءُ الدَّهرِ تُعرَضُ جُملةً ... لمنجدِهم من كلِّ حيٍّ ومُتهمِ
لأبصرتُ شخصَ البحتري منك بحتراً ... وخُلْقَ أبي تمَّامَ غيرَ متمَّمِ
لك الآبادتُ الآنساتُ التي نأَتْ ... وأنست عكاظَ الشعرِ بل كلَّ موسِمِ
لكم أَسهرَتْ جفنَ الرُّواةِ وخالَفت ... حظوظَكَ منها شُرَّدٌ غيرُ نوَّمِ
شُغفتُ بها طِفلاً فأروي بديعَها ... ولم أروِ من وجدي بها نارَ مضرمِ
ولا عَجبٌ أنّي أجنُّ صبابةً ... فيسري الهوى بالقولِ للمتكّمِ
أفي كلِّ يومٍ فيكَ وجدٌ كأَنَّهُ طوى جانحاً منّي على نارِ مِيسمِ
أُحمِّلُ ريحَ الهندَ كلَّ تحيَّةٍ ... فكم من صباً منها عليكَ مسلِّمِ
وقد طالما حدّثتُ نفسي , وعاقَني ... تردُّدُها ما بين أقدمْ وأحجمِ
حلفتُ بما بين الحطيمِ وزمزمٍ ... وبالرَّوضةِ الزَّهرا أليَّةَ مُقسِمِ
لألفيتُ عندي دوسَ مشتَجرِ القنا ... وخوضيَ في حوضٍ من الطعنِ مفعَمِ
أقلُّ بقلبي في المواقفِ هيبةً ... وأهونُ م ذاكَ المقامِ المعظَّمِ
وَهبْ أنّني بازٌ , قدِ انقضَّ , أشهبٌ ... فهل يطمع البازي بُليقانِ ضيغمِ؟
ولكنَّ لي من عفِ مولايَ ساتراً ... فهأَنذا منهُ بهِ بتُّ احتمي
أمحمودَ سامي , إِن يكُ الدّهرُ خائناً ... وطالَ عليكَ الزجرُ طائرَ أشأَمِ
فما زالتِ الأيامُ بُؤْساً وأنعما ... وحظّ الشقا بالمكثِ حظّ التنعُّمِ
ولولا الصدى ما طابَ وِردٌ ولا حلا ... لك الشّهدُ إلاَّ مِن مرارةِ عَلقمِ
عسى تعتبُ الأقدارُ والهمُّ ينجلي ... وينصاحُ صبحُ السعدِ في ذيل مُظلِمِ
وأُهديك في ذاك المقامِ تهانئاً ... حبيرةَ مُسدٍ في ثناكَ ومُلحمِ
ثم كتب محمود سامي باشا إلى الأمير شكيب بهذه القصيدة:
أدّي الرسالةَ يا عُصفورةَ الوادي ... وباكري الحيَّ مِن قَولي بإِنشادِ
ترقَّبي سِنَةَ الحُرَّاسِ وانطلقي ... بين الخمائلِ في لبنانَ وارتادِي
لعلّ نغمةَ ودٍّ منكِ شائقةً ... تهزُّ عطفَ شكيبٍ كوكبٍ النادي
هوَ الهُمامُ الذي أحيا بمنطقِهِ ... لسانَ قومٍ أجادُوا النُّطقَ بالضادِ