والغريب يجد في مصر ملهى وسكناً، وينسى عندها أهلاً ووطناً. . . ومن خواصها أن أسواقها لا تشبه رجالها البتة. فإن لأهلها لطافة وظرافة، وأدباً وكياسة، وشمائل مرضية، وأخلاقاً زكية. وأسواقها عارية عن ذلك رأساً.
ومن خواصها أيضاً أن البرنيطة فيها تنمى وتعظم. وتغلط وتضخم، وتتسع وتطول، وتعرض وتعمق. . . وكثيراً ما كنت أتعجب من ذلك وأقول: كيف أنمى هواء مصر هذه البرنيطة وقد طالما كانت في بلادها لا تساوي قارورة الفراش. ولا توازن ناقورة الفراش. وكيف كانت هناك كالترب، فأصبحت هنا كالتبر. . . يا هواء مصر يا نارها يا ماءها يا ترابها صيري طربوشي هذا برنيطة، وإن يكن أحسن منها عند الله والناس فلم يغن عني النداء شيئاً وبقي رأسي مطربشاً، وطرف دهري مطرفشاً.
ومن خصائصها أيضاً أن البغات بها يستنسر والذباب يستقصر، والناقة تستبعر، والجحش يستمهر، والهر يستنمر، بشرط أن تكون هذه الحيوانات مجلوبة إليها من بلاد بعيدة.