الوقادة والنفس الطويل، القادر على مجاراة فرسان الشعر في أي ميدان كان، فجاءت قصيدته خير طراز يليق أن توشى به تلك البردة البديعة كما سيرى القارئ من المقارنة بين بعض أبيات هذه وتلك. وقد كان بودنا إثبات القصيدتين برمتهما لولا ضيق المقام.
لم تخف على شوقي بك وعورة هذا المسلك فنصل قائلاً:
المادحون وأرباب الهوى تبع ... (لصاحب البردة) الفيحاء ذي القدم
الله يشهد أني لا أعارضه ... من ذا يعارض صوب العارض العرم؟
على أن شوقي - رغم هذا التنصل الذي قضى به حسن الذوق - قد عارض سلفه ولم يقصر عنه في أكثر المواقف:
قال البوصيري في الآيات القرآنية:
لو ناسبت قدره آياته عظماً ... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
وكل آيٍّ أتى الرسل الكرام بها ... فإنما اتصلت من نوره بهم
آيات حق من الرحمن محدثه ... قديمة صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمان وهي تخبرنا ... عن المعاد وعن عاد وعن إرم
وقال شوقي في مثل هذا المعنى:
جاء النبيون بالآيات فانصرمت ... وجئتنا (بحكيم) غير منصرم
آياته كلما طال الزمان بها ... يزينهن جلال العتق والقدم
يا أفصح الناطقين الضاد قاطبة ... (حديثك) الشهد عند الذائق الفهم
حلّيت من عطل جيد الزمان به ... من كل منتثر في حسن منتظم
بكل قولٍ كريم أنت قائله ... تحيي القلوب ويحيي ميت الهمم