للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آمال وكم خابت من أماني، وكم انحطت من عروش وكم انعقدت من تيجان، وكم استرسلت من نفوس إلى الحياة. . . إلى الخلود. حتى انهزم الوهم مطارداً أمام الحقيقة كما ينهزم الظلام أمام الصبح وتطارد الذرات أمام الرياح الزعازع.

في ثنايا بقايا الرميمة تختبئ معلولات الدهور من بابل إلى آشور إلى مصر. ومن مكدونية إلى رومية إلى بزنطية. ومن العرب إلى الجراكسة إلى الأتراك. من قرون الظلمة إلى أعصر النور، وحب السؤدد وحب الأنانية دافع إلى تنازع البقاء. إلى تنازع الإثرة. والدنيا ملأى بالتناقض والشر والأباطيل.

على أبوابها وحناياها نقشت الأجيال أسطراً من مثل المؤيد والمظفر والماجد والمرابط والعالي المولوي والأميري الشمسي وسيد الملوك وغياث الدنيا والدين ومحيي العدل في العالمين، إلى ألفاظ أخرى ألهوا بها المادة وعبدوا أميالها وقدسوا فظائعها فحرقوا لها بخور الضمائر والشواعر فيا للغرور ويا للجهالة. . .!

من أنقاضها التي بعثرتها أيدي الأحداث وجدرانها التي داستها أرجل الأجيال وأنفاقها المنحنية تحت وطأة السنين صدى يتردد في فضائها ويتجاوب في أنحائها فيروي تلاطم

الأهواء واصطدام المطامع وما جر احتكاكها والتحامها على الإنسان من الولايات والمصائب. . .

هنا معقل شادته أيد طامعة في الخلود، وهنا هيكل تعبدت فيه نفوس فطرت على التدين، وهنا عقول غشى عليها الجهل فما أدركت من صفات الألوهية سوى العظمة والجلال، وهنا غمارات وقفت على هذه الخرائب وقوف الحياة على شفير الموت، وهنا حلقات من سلسلة الإنسان مرت أمامها كمرور الأيام الأبد القائم.

عقب الجبلة الصمت العميق، وتلا الضجة السكينة البالغة، فلا يقلقها إلا حفيف أجنحة الطير ولا يزعجها غير وقع أرجل الحشرات، وفي هذا الليل الأبدي والجمود المطلق تبدو الحقيقة الأزلية جلية من خلال زخارف العصور، وتنجلي الحكمة السرمدية بسنائها المتألق الباهر من طيات طبقات الأجيال المتلاشية.

لفتة إلى هذه الآثار، وقفة على هذه الأطلال، وتأمل معي ببقية عادية

<<  <  ج: ص:  >  >>