للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طرقتها بوائق الدهور. فعندها تتضاءل الطبيعة دون العلة الأولى القادرة، ومن ورائها تبرز المبادئ السامية بروز الغزالة وهي تواسي البشرية المتألمة وتعزيها في بهرة ارتماضها وتعاستها وتمزق عن أبصارها الحجب الكثيفة المنسدلة على غايتها الأخيرة.

فهي الآن كالجبار المسجى بأكفانه البيضاء، أو كالمستغرق في منامه المسرور بأحلامه، فلن تستيقظ من رقدتها الأبدية. وقد كانت كالحارس الموكل إليه الأمن والمناضل عن الملك والقطين. فباتت كالخطيب المنذر بالقضاء المنبئ عن المنقلب والزوال، فيعرف منه الحي العاقل حقارة البقاء ويتحقق كاذب الآمال.

ومنها صوت الطبيعة يرن في أودية القلوب بما يحققه الاختبار أن المركب إلى انحلال وأن الحيوة كالظل والخير السائر، أو كالسفينة الجارية على الماء المتموج التي بعد مرورها لا تجد أثرها ولا خط حيزومها في الأمواج، أو كالطائر يطير في الجو فلا يبقى دليل على مسيره. يضرب الريح الخفيفة بقوادمه، وشق الهواء بشدة سرعته ورفرفة جناحيه ثم لا تجد لمروره من علامة، أو كسهم يرمى إلى الهدف فيخرق به الهواء ولوقته يعود إلى حاله حتى لا تعرف ممر السهم (سفر الحكمة ٥: ٩). . . . وقد خطت فوقها يد الأجيال بأحرف من نور (هو الحي الباقي).

* * *

من البائن المعروف أن القلعة الموصوفة قد كانت في طرف حلب ينحدر من جنوبها سور يحيط بالمدينة وينتهي طرفه إلى جانب القلة الشمالي وهذا السور كان يعرف بالرومي لبناء الروم له ويشتمل على ١٢٨ برجاً ضخماً بقي بعض أبرجة منها إلى أواخر القرن الماضي. فأمر جميل باشا المشهور بهدمها فهدمت عن آخرها.

والقلعة الآن في أواسط المدينة وهي قائمة على ربوة صناعية راكمتها الأيدي، وشادت فوقها القلعة على شكل هرمي أو هيئة إهليلجية يبلغ قطر قمتها ٥٠ متراً ومحيط قاعدتها ٤٠٠ مترو تعلو عن سطوح المنازل المحاذية لها ٦٠ متراً وعن سطح البحر ٥٠٠ متر وفي أعلى القلعة منارة مسجدها الجامع ترتفع عن سطحها ٤٠ متراً.

وجوانب القلعة مسفوحة رصفها الملك الظاهر بالحجارة الهرقلية المنحوتة والآن

<<  <  ج: ص:  >  >>